د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

حتى لا يتمزق العراق

تعددت في الفترة الأخيرة الرؤى والسيناريوهات التي تحاول استشراف أوضاع المنطقة في ظل هذا الواقع العربي المريض بالتقارير الدولية القادمة من العراق التي تشير إلى مقتل وتهجير وتفجير وتدمير آلاف المنازل التي تعود للسكان العرب في نينوى وانتهاك قوات البيشمركة في محافظتي كركوك وديالي، سواء باستخدام الجرافات أو التفجير أو الحرق. وتأتي هذه الحملة لتهجير العرب انتقامًا منهم والاستيلاء على أراضٍ ومناطق عربية سنية لصالح الأكراد في الشمال والميليشيات الشيعية في الجنوب.
السؤال: لمصلحة من كل هذا التمزق في العراق الشقيق؟
إيران هي الدولة الوحيدة المستفيدة من تمزيق العراق وسوريا واليمن ولبنان، فالتصريحات التي أطلقها محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني - التي أكد فيها وجود نحو 200 ألف مقاتل مرتبطين بالحرس الثوري في 5 دول في المنطقة هي اليمن وسوريا والعراق وباكستان وأفغانستان - تعمل من أجل حماية ودعم ولاية الفقيه.
الحقيقة التي يعرفها الجميع في المنطقة والعالم أن إيران هي الدولة الوحيدة التي تحدد هويتها السياسية على أساس مذهبي، من خلال دستورها وتصريحاتها، وهذا أمر يخص الإيرانيين في بلدهم لمعالجة أوضاعهم والتحكم في شعوبهم، لكن ما يجعلنا نقلق من إيران فعلاً هو تجنيدها للميليشيات الشيعية بالعالم العربي لإثارة الاضطرابات والفتن بين شعوبنا.. ومن المفارقات الغريبة أن طهران التي خلقت وموّلت وآزرت الأحزاب المذهبية وميليشياتها، تتهم بلدان الخليج العربي باضطهاد الشيعة والأقليات في حالة القبض على عملاء لإيران يتآمرون ضد بلدانهم في كل من السعودية والبحرين والكويت.
هنالك حقيقة يجب التركيز عليها وإبرازها للعالم، وهي أن الشيعة العرب في الخليج أو العالم العربي مواطنون موالون لبلدانهم؛ ففي العراق مثلاً الشيعة عرب ليسوا موالين لإيران لأن لديهم تاريخًا دمويًا طويلاً في الحرب ضد إيران، فإيران قتلت من السنة والشيعة في العراق أكثر مما قتل «داعش»، وهذا لا يعني عدم وجود بعض الأحزاب والميليشيات المذهبية الموالية لإيران في العراق أو الخليج.
السؤال: كيف يمكن الحد من النفوذ الإيراني في منطقتنا؟ لا أحد من العرب في الخليج يريد محاربة إيران، لكن كل ما نريده منها هو عدم التدخل في منطقتنا؟ هذا أمر لا يمكن لإيران قبوله لأنها تطمح لتوسيع مصالحها في المنطقة من منطلق قومي وليس من منطلق ديني.. إيران تبقى دولة كبرى جارة لدينا علاقات تاريخية وثقافية واقتصادية معها.
يكمن الحل في تكثيف العمل السياسي والإعلامي، ويكون ذلك عن طريق توثيق علاقتنا بالولايات المتحدة والدول الغربية. قد نتفق مع واشنطن أو نختلف حول بعض السياسات، لكن من التجربة العملية في العراق، الإيرانيون يتخوفون ويهابون القوة الغربية، والدليل على ذلك أنهم ضغطوا على رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي لسحب القوات الأميركية من العراق. وعندما انسحبت القوات الأميركية كثف الإيرانيون وجودهم في العراق وشكلوا ميليشيات طائفية وجيشًا شعبيًا لتصفية سنة العراق والأقليات الأخرى.
وهناك ترحيب من سنة العراق اليوم بإعلان واشنطن نشر قوات بحرية في العراق، فتحالف القوى العراقية (الكتلة السنية الكبرى في البرلمان) رحّب بالمساعي الأميركية لمحاربة «داعش».. هذا التطور لم يعجب الميليشيات الطائفية في العراق، حيث رفضت الوجود الأميركي في العراق. ومؤخرًا جاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي للرياض والتي أكد خلالها أن الولايات المتحدة قلقة من النشاطات التي تقوم بها إيران في المنطقة، وخصوصًا المجموعات الإرهابية مثل حزب الله اللبناني، وبرنامج إيران للصواريخ الباليستية، مما دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات جديدة على طهران، وأخيرًا مطلوب من العرب جميعًا عدم التخلي عن العراق حتى لا يسقط بيد إيران.