خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الأمير أندرو يحيي ذكرى «شهداء» المسلمين

في هذه الأيام التي اجتاحت فيها ظاهرة الإسلاموفوبيا (الهلع من الإسلام) الغرب، اتخذت الكثير من الدول الغربية خطوات للرد عليها وإعلاء شأن الإسلام ومساهمات المسلمين في الحضارة الراهنة، كان منها فتح المساجد في فرنسا وبريطانيا للجمهور والالتقاء بمسلمين. وعرضت «بي بي سي» الفيلم المغربي «رجال نبلاء» الذي نال عدة جوائز عالمية في تصوير دور المسلمين في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، وفي إنقاذ اليهود وتهريبهم إلى المغرب، وقيام مسجد باريس بإخفاء اليهود بعيدًا عن أنظار الألمان.
وكان من حسن الحظ أن أكملت بلدية ووكنغ في بريطانيا تصليح وتجديد مقبرة «شهداء المسلمين» الذين خاضوا الحربين العالميتين و«استشهدوا» دفاعًا عن الديمقراطية ودحر حشود الجيش الألماني. ولهؤلاء الرجال قصة طريفة لمشوارهم الطويل من أقاصي الهند إلى العراق ثم إلى فرنسا وأخيرًا إلى مستشفيات بريطانيا والانتهاء في مقابرها.
جرى ذلك خلال الحرب العظمى عندما كانت الهند جزءًا من الإمبراطورية البريطانية. واجه الحلفاء الهزيمة في الحرب فاضطرت إنجلترا إلى الاستعانة بالهند وأعلنت باب التطوع للهنود. ويرى مؤرخو تلك الحرب أن ما أنقذ الحلفاء من الهزيمة كان دور الهند في مساعدتهم. تطوع ألوف من مسلمي الهند للقتال. جرى تدريبهم سريعًا ثم نقلوا إلى فرنسا. روى الكثير منهم بعد الحرب صدمتهم ومفاجأتهم عندما رأوا أنفسهم وسط هذا المجتمع الفرنسي وحسان فرنسا يقفن على امتداد الطرق في تحيتهم والترحيب بهم وتشجيعهم، وقد جاءوا من أقصى قرى جبال الهيمالايا وكشمير المتخلفة.
سرعان ما وجدوا أنفسهم في خنادق الجبهة الغربية يواجهون ويلات الأسلحة الألمانية المتطورة ويخوضون معارك دامية بالسلاح الأبيض. «استشهد» من المسلمين نحو 3500 رجل. وقدر لهم أن يكونوا أول من واجه سلاح الغازات السامة في التاريخ.
جرح منهم عدد كبير فنقلوهم إلى جنوب بريطانيا لتطبيبهم. احترم الإنجليز مشاعرهم الإسلامية فوضعوهم في بافليون برايتون، القصر الملكي المشيد وفق فنون العمارة الإسلامية. من شفي منهم أعادوه لبلده مع راتب تقاعد مدى الحياة. ولكن 27 توفاهم الله في المستشفى. أين يدفنون هؤلاء؟ فتشوا فلقوا مسجد ووكنغ جنوب إنجلترا فدفنوهم بجانبه.
زرت هذا المسجد والمقبرة الإسلامية وقرأت الفاتحة على أرواحهم عند وصولي لبريطانيا. ونسيتهم ونسيهم الجميع وتعرضت المقبرة للتلف والإهمال. بيد أن السيد ظفر إقبال، عضو مجلس البلدية كرس سنوات من عمله لتجديد هذه المقبرة فحصل على دعم مالي كبير من السلطات. استغرق العمل خمس سنوات لتحويل ذلك الخراب إلى مكان جميل محاط بالأزهار والأشجار (27 شجرة صفصاف من الهند تمثل كل واحدة منها أحد «الشهداء») تحيط ببركة ماء وتتضمن لوحة من المرمر عليها أسماؤهم. وفي محفل مهيب افتتح الأمير أندرو، ابن الملكة، هذه المقبرة. رفع الستار عن لوحة الأسماء فدوى بوّاق إنجليزي ببوق سلام آخر موقع (Last Post).
تمثل هذه المقبرة في رأيي الدور الكبير الذي لعبه المسلمون وتضحياتهم في الدفاع عن الديمقراطية ودحر الفاشية.