حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

لماذا الإعدامات في السعودية الآن؟

لماذا في هذه المرحلة أعدمت السعودية هذا العدد الكبير من الإرهابيين، أغلبيتهم سنة وقلة منهم شيعة، بعد أن كانت تتحفظ على كثير منهم في سجونها سنين عددًا؟ ولماذا لم تلتفت السعودية للجانب الطائفي الحساس في هذه الإعدامات ولم تكترث لردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية؟ وما الذي اضطر السعودية لسلوك الطريق الأشق والأخطر وهي المعروف عنها اتخاذ سياسة «التوازنات» والتهدئة والتحسس الشديد من العواقب والمآلات؟
في تقديري، أن التطورات الخطيرة في المنطقة وانجرار عدد من دولها نحو الفوضى التامة، وتعرض حدودها الجغرافية والسياسية للعبث، وتهديد بقية الدول الوادعة قد ألقت بظلالها على الأحكام الصادرة مما جعل الحزم والحسم والشدة الضمانة الوحيدة لعدم انجراف السعودية، لا سمح الله، نحو الفوضى وتهديد الاستقرار.
فمن نظرة سريعة للذين استهدفتهم الإعدامات نجدهم ينقسمون إلى صنفين: (1 - مخالب إيران. 2 - خلايا «داعش» و«القاعدة»)، يجمع هذين الصنفين الإرهاب والرغبة في إحداث الفوضى في الداخل السعودي وتفرقهما المرجعيات الفكرية والمذهبية والطموحات السياسية، كلاهما لم يكن له في أرض الواقع في المنطقة سوى نفوذ عبر الأتباع والمتعاطفين، ثم تحول الأمر إلى عمل واقعي على الأرض قوض دولاً وهدم كيانات، فالإرهاب لأول مرة يؤسس له كيانًا داعشيًا يزيد في مساحته مساحة عدد من دول المنطقة، ونظام إيران الطائفي تنمر واستأسد وحول نفوذه السياسي السري إلى احتلالات صريحة أو شبه صريحة عبر عملائه في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتبجح بهذا النفوذ قادة إيران فتفاخروا باحتلالهم لأربع عواصم عربية وآخرهم نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الذي قال مؤخرًا: الثورة الإيرانية صارت أكبر مما تحدده الخرائط الجغرافية.
ولا ريب أن الذين نفذت فيهم السعودية القصاص كانوا عملاء صريحين لكل من «داعش» و«القاعدة» وإيران، وكل هؤلاء الثلاثة يجدون فرصتهم الوحيدة لتكثير الأتباع وتنفيذ المخططات عبر إحداث الفوضى، كما جرى في العراق وسوريا وأخيرًا اليمن، فأصبح الوضع في السعودية كما يصف المثل العامي الخليجي «ما دون الحلق إلا اليدين»، والسعودية ليست مثل أي من الدول، فانجرارها للفوضى تحت أي مسمى يعني سقوط بقية الدول لقمة سائغة في فم النظام الطائفي الإيراني المتعطش للامتداد المذهبي والسياسي والعسكري، وهذا ما كان يحذر منه أصحاب الرؤى الاستشرافية الصادقة قبل أكثر من ثلاثين عامًا أي بعيد اندلاع الثورة الإيرانية، وكان البعض حينها يتهمهم بالطائفية النتنة أو بالمذهبية النزقة، إلى أن وقع الفأس الإيراني على أربع عواصم عربية، حينها أدرك الناس خطورة النظام الإيراني ولكن بعد خراب أربع دول عربية، إذن لم يعد الأمر أمام السعودية يحتمل حلمًا ولا صبرًا ولا مصانعة.
وقل ذات الشيء عن «داعش» المتطرفة التي تتمدد وتتوعد، فدولتها الإرهابية المزعومة عابرة للدول ولها تأثيرات خطرة على الشباب، وأرادت أن تشعل نار الفوضى الطائفية في السعودية كي ينهار نظامها السياسي فتجد لقدمها موضعًا فارتكبت جرائم طائفية ضد الشيعة في الدمام والأحساء والكويت وأبطلت الدولة محاولات أخرى، فأصبح هذا العضو المريض خطيرًا يهدد بقية الوطن.
أتباع «داعش» و«القاعدة» ونظام إيران «غرغرينا» واجبة البتر وإلا أضرت ببقية البدن السليم، كما أضرت الغرغرينا الداعشية والإيرانية بليبيا والصومال وأفغانستان وسوريا والعراق واليمن، والإعدامات الأخيرة في السعودية بتر لغرغرينا الفساد والفوضى.