عبد الرحمن الراشد
إعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشّرق الأوسط» ومجلة «المجلة» والمدير العام السابق لقناة العربيّة. خريج إعلام الجامعة الأميركية في واشنطن، ومن ضمن الكتاب الدائمين في الصحيفة.
TT

رفع وتيرة الحرب قبل فيينا

الروس، منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول)، صاروا رأس حربة في معارك سوريا ومحيطها، بعد أن كانوا يلعبون دورًا خلفيًا، بالتمويل والمعلومات والعمليات المحدودة. النتيجة أن قوات النظام السوري مع القوات الإيرانية، التي تقود ميليشيات متعددة الجنسيات، تشعر لأول مرة بانفراج في عدد من مناطق القتال. وبات من الواضح نوايا التصعيد هذه، إلا لوزير الخارجية الأميركي المصر على قناعته بنوايا الروس الحسنة التي شكلها بناء على حواراته المتعددة معهم في أوروبا وموسكو. والمشكلة لم تعد في فك شفرة النوايا الروسية لأن فعلهم أوضح من أقوالهم، بل المشكلة في فهم نوايا الوزير جون كيري؛ هل هو أيضًا يريد التخلص من المعارضة المسلحة السورية المعتدلة، أي التي ليست «داعش» ولا «النصرة»؟ وهل يبيت النية للقبول أخيرًا باستمرار نظام بشار الأسد؟
حاليًا، في سوريا تشن حربان؛ واحدة من جانب التحالف الأميركي تستهدف التنظيمات الإرهابية: «داعش» و«النصرة»، والأخرى من الجانب الروسي تقوم بقصف التنظيمات المعارضة الوطنية. النتيجة، أن الأسد والإيرانيين يقومون برفع الأعلام على المناطق «المحررة» أميركيًا وروسيًا!
وفي نفس الوقت يشجع الروس والإيرانيون التنظيمات التركية الكردية المسلحة لضرب تركيا، وبالتالي تجويع المعارضة السورية وعزلها.
وصار الجانبان، الأميركي والروسي، يقاتلان في صف نظام الأسد وحليفه الإيراني، إضافة إلى تعزيز وضع القوى الموالية لإيران في العراق بشن الحرب نيابة عنهم، وتحرير المناطق التي استولى عليها تنظيم داعش.
تكون السياسة الأميركية منطقية ومقبولة، لو أن هناك حلاً سياسيا مؤكدًا يوازي العملية العسكرية، لكنها الآن تقوم بعكس ذلك، بإضعاف الحل السياسي بتنظيفها المناطق لصالح الإيرانيين والروس، فهل يستطيع أحد أن يشرح لنا، أين المنطق هنا؟
منطق واشنطن في البداية كان مفهومًا ومقبولاً. إرسال القوات الأميركية بهدف محاربة تنظيمين إرهابيين: «داعش» و«النصرة»، إثر تنامي خطرهما في سوريا والعراق، بعد عمليات التهجير الواسعة للإيزيديين في العراق، والاستيلاء على مدينة الموصل، واستهداف إقليم كردستان، ومشاهد الذبح والحرق المروعة. ووجد تجاوبًا واسعًا من معظم القوى السياسية الدولية، بما فيها الإقليمية التي شاركت في دعمه.
إنما هذا الهدف يستحق، الآن، أن يعاد النظر فيه نتيجة استغلال الروس والإيرانيين للوضع، وتغييرهم قواعد اللعبة، ومحاولتهم فرض نتائج مختلفة. فالسياسات الطائفية أصلاً هي سبب الفوضى، فممارسات حكومة نوري المالكي السابقة في العراق ضد المعتدلين السنة جلبت «داعش» الذي استولى على ثلث العراق. وفي سوريا تسببت عمليات القتل المستمرة من قبل قوات النظام وحليفها الإيراني، التي فاضت بثلث مليون قتيل، في جلب «الجهاديين» من أنحاء العالم.
نحن نفهم لماذا تفعلها إيران، فهي تسعى لفرض أنظمة حليفة للسيطرة على البلدين، لكن من غير المفهوم أن تختصر السياسة الأميركية الأزمة المتعددة في موضوع واحد؛ الجماعات الإرهابية. وحتى لو نجحت القوات الأميركية في هزيمة آلاف الإرهابيين، كيف ستستطيع بعد ذلك حراسة الأرض المحروقة حتى لا يعودوا؟ وكيف ستمنع الإرهابيين من عمليات التجنيد اللاحقة بين ملايين السنة الذين يتم تشريدهم على أيدي قوات النظام السورية، والقوات الإيرانية، والروسية؟
التطور الجديد أنه لم يعد للحل السياسي مكان في مفاوضات فيينا المقبلة، فالروس والإيرانيون يريدونها جلسة استسلام، بقتل ومحاصرة المعارضة السورية المعتدلة، وتهديد الدول المؤيدة لها.
وطالما أن المشروع الروسي يقوم على فرض حل سياسي بالقوة، بتنصيب الأسد وتسليم إيران المنطقة، فإن واجب دول المنطقة على الجانب الآخر تغيير مفهوم دعمها للمعارضة، برفع مستوى تسليحها، الذي ظل دائمًا محدودًا نتيجة الاشتراطات الدولية، وعلى أمل التوصل إلى حل سياسي يجمع كل الفئات السورية في مشروع حكم واحد. رفع دعم المعارضة قد يكون الطريق الوحيد لتحقيق التوازن على طاولة التفاوض. دون ذلك من الأفضل توفير الوقت، بتسليم الإيرانيين المهمة، ونقل المفاوضات إلى طهران، وتكليف جماعتها بحكم سوريا. وفي نفس الوقت على دول المنطقة، وأوروبا، نتيجة لذلك استقبال المزيد من ملايين الهاربين من سوريا والعراق، لأن المنطقة لن تستقر.

[email protected]