سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

محاكمة إرهاب البحرين والعوامية في آنٍ

المحاكمة الجارية الآن في العاصمة البريطانية للمدعو عبد الرؤوف الشايب الذي أسقطت البحرين عنه الجنسية البحرينية، تكتسب أهمية قصوى، لا للبحرين فحسب، بل لجميع دولنا الخليجية التي يمارس فيها التيار الشيرازي الذي ينتمي الشايب له نشاطه الإرهابي؛ فهذه المحاكمة هي المحاولة الجادة الأولى لربط إحدى المجموعات الشيعية الناشطة خليجيًا بالإرهاب عن طريق القضاء البريطاني.
الشايب أقر في محاكمته بعلاقته بائتلاف «14 فبراير»، وهي الجماعة المسؤولة عن أحداث العنف في البحرين منذ عام 2011 حتى الآن، وتنتمي هذه الجماعة للتيار الشيرازي المتشدد والمسؤول عن حوادث الإرهاب في منطقة العوامية كذلك، والتي يتزعمها نمر النمر، فحين يحاكم الشايب تحاكم معه الشبكة الخليجية لهذه المجموعة.
لهذا تكتسب هذه القضية بعدًا خليجيًا، وليس بحرينيًا فحسب، فالجماعة الشيرازية تعمل في دول الخليج ضمن شبكة واحدة بتنسيق واضح للعيان؛ ففي البحرين على سبيل المثال تتصاعد أعمال العنف في الأيام التي تعقد فيها جلسات نمر النمر في السعودية، وترفع صور النمر في المناطق السكنية البحرينية التي تسيطر عليها هذه الجماعة، والعكس صحيح؛ تشهد القطيف أحداث عنف ترتبط بمحاكمات أعضاء من هذا التيار في البحرين.
أهمية تلك المحاكمات لا تقف عند استصدار حكم قضائي بريطاني فحسب لإدانة هذه الجماعة، بل تكمن أهميتها في أنها فرصة يجب أن تنتهزها دول الخليج وتوظفها لفضح «الدور الإيراني» في الإرهاب الذي تتعرض له دول مجلس التعاون.
ما يهمنا في هذه القضية أكثر من إدانة الشايب شخصيًا توظيف حيثيات التحقيق والمحاكمة لنسلط الضوء في الإعلام البريطاني على ارتباط المجموعة التي ينتمي لها الشايب بإيران، وهذا ما كشفت وستكشف عنه تفاصيل المحاكمة. كفى مخاطبة لأنفسنا.. يجب أن نخاطب الرأي العام البريطاني من خلال فرصة ذهبية كهذه.
فالجلسات كشفت عن عدد الزيارات المتكررة التي أجراها المتهم لإيران وظهوره على القنوات الإيرانية واستشهاده بفتاوى دينية لرجال دين إيرانيين. هذه الزاوية هي التي ما يجب أن نعمل على إبرازها إعلاميًا في بريطانيا، وإضافة إلى المضبوطات التي وجدت في منزل الشايب في بريطانيا والدالة على نشاطه الإرهابي، فإن دعوات المدعو العلنية لـ«الجهاد» مصورة ومتلفزة على القنوات الإيرانية كقناة «العالم»، ولقاءاته حافلة بلفظ «الجهاد» والفتوى الدينية للقتال، وغيرها مما لا يدينه شخصيًا بالانخراط في أنشطة إرهابية فحسب، بل يدين إيران برعايتها للجماعات الإرهابية، وهذا هو الأهم. وجلسات المحاكمة بدأت تجذب الإعلام البريطاني، وهذا ما يخدمنا.
إيران عملت على تسويق نفسها على أنها الدولة المسالمة، الدولة التي تحارب الإرهاب السني، كي تجد المبرر والمسوّغ الدولي لتمد رجلها في الأراضي العربية، ونجحت في إخفاء معالم إرهابها بفضل «لوبي» إيراني نشط في أوروبا والولايات المتحدة توجه مباشرة للمجتمع الأوروبي لا لحكوماته فحسب عن طريق التواصل مع الإعلام ومؤسسات البحث والأحزاب، وغيرها.
دول الخليج تقاعست عن هذا الدور واكتفت بالتواصل مع الحكومات والأنظمة، لهذا هي بحاجة إلى أن تضع استراتيجية مشتركة وشاملة لإبراز الدور الإيراني وعلاقته بالميليشيات الشيعية الإرهابية للمجتمع الدولي لا للحكومات فحسب.. بحاجة إلى استراتيجية شاملة تتحرك على أكثر من مسار لتكشف الدور الإيراني في خلق ومساعدة الميليشيات الإرهابية السنية المضادة كذلك. لقد تأخرنا كثيرًا في تسليط الضوء إعلاميًا على ما تعانيه دولنا من إرهاب هذه الجماعات وغيرها.
لا ننتظر من الذين من مصلحتهم التعتيم على هذا الدور أن يسلطوا هم الضوء عليه، بل علينا أن نأخذ نحن زمام المبادرة والعمل على أكثر من مسار بشكل متوازٍ.
هناك المسار القانوني كرفع القضايا في المحاكم البريطانية والأميركية على أشخاص من أمثال الشايب الذين تؤويهم هاتان الدولتان، ومن أرضهم تنطلق دعوات العنف والإرهاب الممارس على أرضنا، واستغلال تلك القضايا وهي تنظر في المحاكم لفضح العلاقة التي تربط هذه الجماعات بإيران، وهناك المسار البحثي والدراسات والتقارير التي تصدرها مراكز البحوث الموجودة في بريطانيا والولايات المتحدة بالتواصل والعمل معها ودعوة الإعلاميين والباحثين لندوات ومؤتمرات لنسلط الضوء على هذا الجانب المخفي والوجه الآخر لإيران، وهناك مسار الأحزاب السياسية التي يجب التواصل معها وإطلاعها عن قرب على ما نملك من معلومات.
الخلاصة أنه يجب ألا يقتصر تواصلنا مع الحكومات فقط، بل علينا أن نتجه للرأي العام مباشرة، وهذا عمل قد يستغرق سنوات لا تقل عن الخمس تتضافر فيه الجهود الخليجية والتحرك بشكل جماعي وباستراتيجية شاملة ومدروسة؛ فالعدو واحد، وتقصيرنا شنيع، واكتفاؤنا فقط بالتذمر من انحياز الإعلام وعدم حياديته لن يخدمنا في شيء؛ ففي حين عمل عدونا على تثبيت أقدامه في الأسرة الدولية بادعاء المسكنة والطيبة والصورة الحسنة، نمنا نحن على صورة الشيطنة والإرهاب والتخلف التي انتشرت وذاعت عنا.