نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

خصام التوأم.. بوتين وإردوغان

السجال الملتهب بين رئيسي روسيا وتركيا، ووصوله مرحلة «فرد الملايات» كما يقال في مصر، لفت نظري إلى أمر ينطوي على إثارة، وهو التشابه بين الرجلين، إلى حد التطابق في الأحلام والسلوك.
فالاثنان يجمعهما حنين قوي للماضي يسيطر عليهما تمامًا؛ إردوغان وبعد انتهاء عهد الأتاتوركية أدخل بلاده إلى أحلام العهد العثماني، ولا يخفي الرجل تطلعه لبناء إمبراطورية تعيد الأمجاد الدارسة.
أمّا بوتين الذي تربى في حاضنة الإمبراطورية السوفياتية وعمل في جهاز الـ«كي جي بي» المرعب في زمنه، لم يقتنع بالانكفاء عن العظمة كما فعل سلفاه غورباتشوف ويلتسين، بل شرع منذ جلوسه في الكرملين، الذي شهد مجد القياصرة، في العمل على إحياء الإمبراطورية الروسية السوفياتية التي أسسها بطرس الأكبر وورثها عنه فلاديمير لينين، إلا أن مشروع القيصر الشاب عمل في البداية بطريقة تخلو من الجمود والتزمّت الفكري لقادة التجربة الآفلة، فانفتح على عصره، ومضى حثيثًا على طريق جديد ومميز لبناء الذات كمقدمة لاستعادة العظمة.
ويتشابه الزعيمان في وضعهما داخل بلديهما؛ إذ يحظى الرجلان بشعبية طاغية توفر لهما حكمًا مطلقًا بحيث صارت الدولة من أصغر موظف حتى رئيس الوزراء مجرد طابور يصطف لتأدية التحية لهما، فالاثنان لا يعرفان شيئًا اسمه الشراكة ولا يستطيعان العمل مع أي قوة أخرى.
وهنالك تشابه آخر أكثر عمقًا يتصل بالبلدين المهمين روسيا وتركيا، ذلك أن روسيا الأوروبية ليست عضوًا مقبولاً في النادي الأوروبي، إذ إنها «زائد روسيا» وهذا هو حال تركيا العضو في الحلف الأطلسي ولكن ينقصها ختم العضوية الكاملة المتساوية، بفعل عدم قبولها جزءًا من الاتحاد الأوروبي، ولقد بذل إردوغان جهودًا حثيثة للحصول على هذه العضوية إلى أن وصل إلى حد اليأس، ما حمله على القول إن الاتحاد الأوروبي منتدى مسيحي لا مكان لتركيا المسلمة فيه.
والآن يتابع العالم بشغف الشجار الناشب بين الرجلين، ومع التبني اللفظي لتركيا الأطلسية فقد آثر أعضاء النادي الأصلاء اللجوء إلى الوساطة، ليس حرصًا على تركيا أو روسيا أو أحلامهما المحرجة، وإنما بفعل متطلبات الحرب على الإرهاب، والبَلدان في هذه الحرب أكثر من أساسيين في الجزء العالمي منها المحتدم على أرض سوريا.
إن بوتين وإردوغان فيهما خصائص كثيرة من التوأم ونزاعهما، وهما في هذا الوضع حيث الكبرياء هي الموضوع، على الأقل في سياق المساجلات الدائرة بينهما، حوّل الرجلين إلى زعيمين تقليديين من زعماء العالم الثالث، ومهما كانت الخسائر في هذه الحالة فإنها تهون عند الزعماء الذين يعتقدون أن بوسعهم إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
خلاصة الأمر سؤال مطروح على مستوى العالم كله: إلى أين يسير النزاع بين الرجلين والبلدين؟
بعد الانتهاء من الإحصاء الرقمي للخسائر بدءًا من أصغر صندوق خضار حتى أصغر فوج سياحي روسي يعشق دفء السواحل التركية وأشياء أخرى، فمن المحتمل أن يحدث ما حدث مع إسرائيل عقب «مرمرة» وواقعة إهانة سفير تركيا في تل أبيب، فقد تدخل العراب الانتهازي الأميركي لرأب الصدع بين الحليفين، وقد علق الأمر عند صيغة الاعتذار والتعويضات، مع إفساح المجال للزمن ليتكفل بتبريد الانفعالات الساخنة، أي تنظيم الخلاف إلى أن يصل الطرفان إلى تفاهم يجعل ما حدث وراء ظهريهما.
قد يطول الزمن لبلوغ هذه الخلاصة، إلا أن مواطني البلدين هم من يدفع الثمن.