طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

دقيقة سكوت لله

هل تابعتم الصراع المصري اللبناني بسبب كلمة غير لائقة بحق عبد الحليم حافظ تفوه بها الملحن إلياس رحباني؟ أكيد لم يفتكم أيضًا هذا التراشق المصري الجزائري بسبب خروج متسابق ينتمي إلى هذه الدولة أو تلك في نفس البرنامج «ستار أكاديمي»؟ لست أبدا من المتابعين لبرامج المسابقات الفنية التي صارت هي الطابع المميز لبرامج الـ«توك شو» في مختلف القنوات الناطقة بالعربية. أصبحت تلك البرامج في غضون سنوات قلائل تحتل مقدمة الكادر، فهي الأكثر متابعة، وتحقق عائدا إعلانيا ضخما يتم عن طريقه دفع الأجور الباهظة التي يحصل عليها أعضاء لجان التحكيم.
على المستوى الفني والثقافي لم تسهم كل هذه البرامج مع تعددها ما بين غنائية وتمثيلية في اكتشاف مواهب، إلا في القليل النادر، فهي في البداية والنهاية مشروعات تجارية، كما أنها مثل عدد من الأدوية لها أعراض جانبية مؤذية، حيث صارت تؤدي إلى مزيد من التناحر والغضب العربي والعربي. ألم تكفنا الخلافات السياسية العربية، لتطل علينا الصراعات الفنية؟
إلياس رحباني الملحن اللبناني المعروف هو الشقيق الثالث للأخوين عاصي ومنصور رحباني، وقد سخر عن غير قصد من عبد الحليم حافظ عندما خاطب متسابقا في البرنامج غنى «سواح» لعبد الحليم بأنه رددها أفضل من «شو اسمه ده»، من حقه بالطبع أن يعجبه مطرب آخر غير حليم، لكن ليس من حقه السخرية، ورغم ذلك فلقد أكد الرجل أنه يعاني من النسيان ويتلقى علاجا مكثفا بسبب تلك الحالة المرضية. لماذا استبد الغضب بالمصريين، رغم أن عبد الحليم ليس مصر، كما أن فيروز ليست لبنان، وأديث بياف ليست فرنسا؟
بعد نكسة عام 67 في حوار صحافي، قال الموسيقار محمود الشريف إن سر الهزيمة هو تعاطي الحشيش وتفشي أغاني أم كلثوم، فلم تنل هذه الكلمات من مكانة سيدة الغناء العربي. حدث مثلا أن الملحن جمال سلامة صرح في الثمانينات بأن «الريس متقال»، وهو مطرب صعيدي راحل كان يغني ويرقص على الربابة وأشهر أغانيه «البت بيضة وأنا أعمل إيه»، قال سلامة إن «الريس متقال» أكثر ثقافة موسيقية من عبد الوهاب، فهل هذه الكلمات أثرت على مكانة موسيقار الأجيال؟
كثيرة هي الآراء الجانحة التي يتم تداولها عبر «الميديا»، وفي النهاية لا يستحق الأمر غضبا جماهيريا، لأنني لاحظت أن البعض هدد بمقاطعة القناة المصرية «سي بي سي» التي تعرض هذا البرنامج، وبمنع دخول إلياس للبلاد.
قبل أسبوعين أعلن المطرب اللبناني فارس كرم في أحد البرامج أن أم كلثوم وفيروز لهما أغان تحمل إيحاءات جنسية، وهي عبارة منفلتة ولا شك، إلا أن هذا لا يمنح الملحن المصري حلمي بكر الحق في التطاول قائلا له: «قطع لسانك». انفلات الرأي لا يواجه بمزيد من الانفلات. يجب أن نتعلم كيف نضبط ردود أفعالنا في كل شيء. إلياس رحباني أساء لعبد الحليم الذي كان ولا يزال يتمتع بمكانة استثنائية في وجدان قطاع كبير من العرب خاصة جيل الشباب، والرجل اعتذر أكثر من مرة، الأمر لا يستحق كل تلك التراشقات الجماهيرية والبرامجية التي نشاهدها ولا نزال. عندما لا حظ بيرم التونسي تردي حال الغناء قبل أكثر من 80 عاما كتب «يا أهل المغنى.. دماغنا وجعنا.. دقيقة سكوت لله». ويصلح هذا الزجل لترديده مجددا بعد أن نطالب صناع برامج المسابقات بـ«سنوات سكوت لله»!