عبد الرحمن الراشد
إعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشّرق الأوسط» ومجلة «المجلة» والمدير العام السابق لقناة العربيّة. خريج إعلام الجامعة الأميركية في واشنطن، ومن ضمن الكتاب الدائمين في الصحيفة.
TT

الأزمات في حوار قصر السراب

كنت من بين حضور ملتقى صير بني ياس الذي تنظمه وزارة الخارجية الإماراتية، ويتميّز عن المائة منتدى المماثل له، بجودة إعداد موضوعاته ومشاركة نخبة منتقاة من سياسيي ومثقفي المنطقة والعالم. ولولا أنه مغلق وما يدور في أيامه الثلاثة يحظر تداوله، وفق قواعد الملتقى، لتبرعت بنقل الكثير من حواراته الجدلية لأهميتها.
إنما، ودون التعدي على المواثيق الأدبية التي تحكم «قصر السراب»، وهو اسم الفندق المختبئ في بطن كثبان ليوا الرملية، يجوز لي القول إن النقاشات كلها دارت حول ما يدور في الفضاء العربي والإقليمي عمومًا. موضوعاتها شاملة، وطروحاتها متعددة، صاحبها جدل علمي وفكري عكس الاختلافات الموجودة على الأرض، وفق تخصصات غالبية الحضور، وهم من المهتمين بالتفاصيل، لا الخطوط العريضة فقط.
وليس مفاجئًا أن أزمات المنطقة مترابطة كأنها مستنسخة، أو ساحة نزاع واحدة، أو كأنها عاصفة ترابية واحدة، لم تخففها بعد المسافة الطويلة، هبت الفوضى أولاً على كابل الأفغانية ثم سافرت حتى طرابلس الليبية، أي أنها رياح الفوضى قطعت سبعة آلاف كيلومتر. المسافات لم تحل دون تشاركها خصائصها سلبًا وإيجابًا. لماذا العدوى انتقلت قطعت قارتين، آسيا وأفريقيا ولم تنتقل بقية الطريق إلى مثل دولة كمالطا، جارة قريبة وفقيرة الإمكانيات، أبرز الخصائص المشتركة هو التخلف بمعانيه الكبيرة. الفشل والفوضى تجمع بين أفغانستان وليبيا واليمن وسوريا والعراق وغيرها، وبنفس الخصائص، المعتقد والقبيلة والتاريخ. ومع أننا نخرج من موضوع إلى آخر، ومن قضية إلى أخرى لكنها تظل متشابهة، تجتمع المجتمعات المضطربة اليوم في إشكالات الحكم والنظام والحقوق التي لم يمكن الاتفاق عليها.
الفوضى أعقبت انهيار الدول بعد سقوط زعاماتها، وحل الفراغ محلها، ولم يبقَ شيء من الدولة، حتى بمعناها البسيط، فأصبح الإنسان يمكن أن يموت مريضًا بالكوليرا في تكريت العراقية، أو من العطش في تعز اليمنية أو من البرد في حلب السورية، وكل ذلك نتيجة ضعف أو انهيار منظومة الدولة.
وليس التفكك سمة خاصة بمنطقة الشرق الأوسط كما يقال. فالعراق دولة «مجمعة» من كتل مختلفة، مثل جمهورية يوغوسلافيا، التي تفككت بعد التخلص من تيتو، الفارق في المحيط. فالأوروبيون قاموا برعاية الدولة المتبعثرة، ومنحوا دولها، بدعم من الأمم المتحدة، الدعم والشرعية، بعد حرب لم تدم طويلاً. أما في العراق فإن الإطار الرسمي استمر بقرار أميركي، لكن الروابط الشعبية تخلخلت إلى قطع طائفية وإثنية، ثم جماعات صغيرة متناحرة في داخلها.
هذه الاختلالات الواسعة على مستوى الدولة والمنطقة ككل تجعل الصالونات الفكرية المكان الطبيعي للحديث بديلاً عن خيارات الاقتتال والحلول القسرية التي مهما طالت لا بد أن تعود للبحث في الخيارات الأخرى.
[email protected]