حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

المؤسسات الخيرية والنفوذ الإيراني

كلما سمعنا بخبر إغلاق عدد من المؤسسات الخيرية في بعض الدول العربية، لا بد أن يتبادر إلى الذهن وبصورة تلقائية النفوذ الإيراني الشيعي في الدول العربية؛ ومنها التي لم يكن يوجد فيها شيعة مطلقًا. وكما كان الاستعمار يستخدم التبشير قبل غزوه العسكري، فعلت إيران التكتيك ذاته، والحقائق على الأرض تقول إن الارتباط بين المعركتين الآيديولوجية والعسكرية وثيق؛ فالأولى سبب، والثانية نتيجة.. الأولى هي الذخيرة، والثانية هي البندقية.. الأولى الروح، والثانية الجسد، ولهذا فالعلمانية الغربية التي فرغت للتو من معركتها مع الكنيسة وتخلصت من سيطرتها، لم تستغنِ عن الكنيسة وإرسالياتها التبشيرية ومؤسساتها الخيرية، لتكون حصان طروادة.. مهدت بها الأرض وسهلتها للسيطرة على مقدرات الدول التي استعمرتها، وجثمت من خلال أذرعها التبشيرية والخيرية على دول العالم الثالث قرونًا ثقيلة.
كان العمل الخيري الإيراني بفروعه التعليمية والثقافية والإغاثية والتدريبية، هو الأذرع الطويلة الجبارة التي تمكنت ثورة الملالي الإيرانية من خلالها من تمكين نفوذها، تدعمها الدبلوماسية التي تستخدم الشعارات الوحدوية والتقاربية الخادعة، وانطلت هذه الخدع على عدد من الحكومات العربية وحتى بعض حركاتها الإسلامية، إلى أن حدثت التطورات الخطيرة في سوريا واليمن وبعض دول الخليج، هنا فقط بدأت الحوقلة والولولة والتحذيرات والإنذارات وفي مرحلة متأخرة من تفشي «السرطان الثوري» الإيراني.
هل فات الوقت؟ طبعا لا، خاصة أن تصدير الثورة الإيرانية أصيب بنكسات منذ انكشاف الوجه الطائفي القبيح للثورة الإيرانية، ثم الضربة الكبرى لـ«عاصفة الحزم» التي وضعت عصًا في دولاب التغلغل الإيراني الذي كان يخطط لالتهام بقية الدول الصغيرة في المنطقة، لكن ما لا يمكن تفهمه مطلقًا أن تعرقل الإجراءات البيروقراطية تمدد «بعض» المؤسسات الخيرية النشطة التي كان بالمقدور جعلها أذرعًا، لا أقول للعمل الدعوي الصرف، بل لمقاومة النفوذ الفكري والتبشيري الذي ترعاه إيران وتنفق عليه مبالغ طائلة.
نعم الكل يدرك أن بعض المؤسسات الخيرية مهما كان نبل غايتها ومهما اجتهد القائمون عليها في ترشيد مسيرتها وتنقيتها من العناصر المتشددة، فقد تحدث فيها اختراقات، وقد تتسلل من خلال نشاطاتها أموال إلى جهات مريبة مشبوهة، مثل «داعش» ومن سار في فلكه الإرهابي، وهذا تخوف منطقي وفي محله، لكن اعتماد الحلول الحديّة؛ الأبيض أو الأسود، في معالجة التجاوزات والأخطاء غير مناسب إطلاقا، خاصة في هذه المرحلة المصيرية من النزاع الوجودي مع النفوذ الإيراني الذي رمى بكل ثقله السياسي والعسكري والثقافي والخيري في ساحة المعركة، والأسلم هو في الضبط الشديد لأعمال هذه المؤسسات الخيرية ومراقبة تحويلاتها وكل نشاطاتها، ثم إطلاق يدها لتكون أذرع مقاومة لأذرع الثورة الإيرانية والحد من انتشار نشاطاتها الفكرية والتبشيرية، فهذا المسار في غاية الأهمية لمساندة المسار العسكري، فهذان المساران جناحان لطائر لا يمكنه الطيران بأحدهما من دون وجود الآخر.