أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

هل نحن بين خيارين.. الروس أم الإيرانيين؟

كان أسبوعا صعبًا على الإيرانيين؛ إدراكهم أن اليمن خرج من أيديهم بعد انتكاسة حليفهم الحوثي، وفرار أبرز قياداته، وانحسار المساحات التي احتلها، ثم عودة ممثلي الشرعية تدريجيًا لإدارة الدولة، مع الكشف الإعلامي المذل لعملية تهريب فاشلة لسلاح إيراني في قارب صيد، وإحكام التحالف قبضته على باب المندب بعد إنزال جوي لقوات التحالف الذي تقوده السعودية، وهو المضيق الذي كان يشكل تهديدًا يلوّح به الحوثي ضد دول المنطقة.
وفي سوريا، البلد الذي تعوّل عليه إيران في رسم قوس الهلال الشيعي بضمه إلى هيمنتها المبسوطة في العراق، فقدت أهم جنرالاتها حسين همداني، قائد القوات العسكرية للحرس الثوري في سوريا، والشخصية ذات التاريخ الملطخ بالدم في قمع الإيرانيين الأكراد مع بداية الثورة الإيرانية، ودوره القيادي في حرب الخليج الأولى، وضد الثورة الخضراء في 2009، وأحد أهم مؤسسي الميليشيات والكتائب المسلحة، والمشرف على عمليات حزب الله والكتائب الإيرانية والأفغانية والباكستانية التي تحارب ضد المعارضة السورية منذ أربعة أعوام. وما يسوء إيران ليس فقدانها رجلها الأول في سوريا، بل الشكوك التي ثارت حول مقتله، بعد أن ذكرت مصادر أنه أقيل من منصبه قبل موته بأيام، بسبب خلافات حول قدرته على الاستمرار في إدارة المعارك بعد التدخل الروسي، مما يثير فكرة تصفيته بيد صديقة، وليس مقتله على يد «داعش»، كما يقول الإيرانيون، وهو ما يعيد للذاكرة ما حصل مع رستم غزالة، رئيس شعبة الأمن السياسي في الجيش السوري، الذي قتل في ظروف غامضة قبل أشهر، بعد تعرضه للتعذيب بسبب خلافات حول موقفه المعارض للنفوذ الإيراني المتنامي في سوريا. وعبارة «الموت في ظروف غامضة» في قاموسنا لفهم لغة نظام الأسد، تعني ركلة إلى جانب الطريق كحجر عثرة، بقتله في منزله أو على مكتبه أو في الحديقة أو افتعال خلاف.
التدخل الروسي الذي جاء ثقيلاً على العرب الذين يشككون في مقاصد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استهداف مواقع «داعش»، هو أشد وطئا على الإيرانيين وميليشياتهم خاصة حزب الله، فالساحل الغربي الذي كان بالنسبة لبشار الغرفة الخلفية التي قد يلجأ إليها في نهاية المعركة لتأسيس دويلة العلويين، أصبح تحت سيطرة موسكو جوًا وبرًا وبحرًا، وستفرض أجندتها في المرحلة الانتقالية وتؤسس لقواعد دائمة، وتملي شروطها للإبقاء على الأسد أو استبداله.
اللاعب المخفي هنا هو إسرائيل. في اتصال بين نتنياهو وبوتين في أبريل (نيسان) الماضي، أبلغ الأول الثاني أنه لن يقبل بأن يبيع صواريخ «S - 300» للإيرانيين ثم يراها تعبر من سوريا إلى حزب الله، مثلما حصل مع مضادات الطائرات قصيرة المدى «SA - 22»، ومتوسطة المدى «SA - 17» التي استهدفتها إسرائيل قبل نقلها إلى جنوب لبنان، فاضطر بوتين لوقف الصفقة. وفي الشهر الماضي نسق الطرفان في لقاء في موسكو دور كل منهما في هذه الحرب، واتفقا على ألا اختلاف حول نصيبهما من الكعكة السورية؛ أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لبوتين لأي تحرك على الأراضي السورية، مع استثناء عدم تسريب أي معدات أو تجهيزات حربية روسية لحزب الله، وإلا فستبادر الطائرات الإسرائيلية بضربها. نظام الأسد بدوره وافق على هذه الشروط بعدما تأكد أن أمله الأخير في الحماية الروسية؛ أي إن نظام الأسد بنهاية المطاف وضع يده في يد نتنياهو لضمان بقاء الروس لحمايته على حساب أصدقائه في «المقاومة»، فمرحبًا بإسرائيل في محور الممانعة.
حزب الله، الذراع الحسية والمعنوية الرئيسية للنظام الإيراني، وجد نفسه محيّدًا عن المستجدات الأخيرة، والإيرانيون وجدوا أنفسهم يقفون في الصف الثاني في المواجهة بعد خسائر تكبدوها؛ إن بشرية أو مادية خلال هذه السنوات الأربع، مما أشعرهم بأن الطير اختطف اللقمة من أفواههم وانطلق بعيدًا.
ومع هذه الترتيبات بين الروس ونظام الأسد والإسرائيليين، سربت الولايات المتحدة خبر إطلاق الروس أربعة صواريخ «كروز» ضربت إيران من بحر قزوين، بدلاً من سقوطها على مواقع للتنظيمات الإرهابية في سوريا، وقد قيل إنها سقطت بالخطأ في طريق عبورها فوق إيران باتجاه العراق ثم سوريا، وقيل إنه خطأ في التوجيه، مع أن من الصعوبة التخيل أن خطأ يطال إطلاق أربعة صواريخ في عملية تمر بعدة خطوات من المراجعة والتوجيه من أكثر من شخص، أضف لذلك أن الروس تباهوا بقدرتهم على ضرب أهدافهم بدقة من مسافة 1500 كيلومتر من قزوين باتجاه وسط وشمال سوريا.
رد الفعل الإيراني جاء قبل يومين، بتجربة صاروخ باليستي سمته «عماد»، كانت قد أعلنت قبل شهر أنها بصدد تجربته، وهو نسخة مطورة من «شهاب 3» يمكن توجيهه حتى لحظة إصابة هدفه، وهو بعيد المدى؛ إذ يصل إلى 1700 كيلومتر، كما يمكنه حمل رؤوس نووية، مخالفة بذلك قرار مجلس الأمن الذي أعقب توقيع الاتفاق النووي بحظر أي نشاطات لإيران على برنامجها الصاروخي، خاصة تطوير تقنيات الصواريخ الباليستية.
هذه التطورات في الملف السوري، التي أثارها التدخل الروسي، أعادت خلط الأوراق من جديد، وستضطر الولايات المتحدة للتفكير مجددًا في موقفها من القضية السورية ومكتسباتها في الشرق الأوسط، وتعطي أهمية كبرى للمباحثات السعودية - الروسية الحالية، لأن التفاهم مع الروس يتيح فرصًا أكبر للتوصل إلى تسوية مرضية للفرقاء، فالمصالح الروسية جيوسياسية، واقتصادية، ومعالجة تاريخية لفشلها في إرساء قواعد لها في الشرق الأوسط أسوة بأميركا والدول الأوروبية. أما إيران فأهدافها مختلفة وأكثر عمقًا؛ آيديولوجية وقومية، ومثل هذه الأهداف من الصعب التفاوض حولها، لأنها تمثل حياة أو موتًا للإيرانيين.

[email protected]