خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

خطر وعار

تكلم بشار الأسد قبل أيام، فقال إن بقاء الإرهابيين (المعارضة) يهدد المنطقة وعموم العالم. الحقيقة هي أن وجوده هو الذي يهدد بالضبط كل ذلك. فلا يمكن له البقاء الآن دون حرب إبادة ضارية يقوم بها العلويون، بدعم قوي من الروس والإيرانيين، ضد المعارضة، وتودي بحياة ألوف المدنيين. ستثير هذه الحرب اهتمام العالم كله، وسينظر إليها المسلمون على أنها ضربة من الشيعة ضد السنة. وهذا ما سيثير الكثيرين منهم لشن حروب وعمليات انتقامية لم نشهد مثيلاً لها.
ذكر المراقبون أن ما سيقوم به الأسد سيعزز قوة «داعش» و«القاعدة»، وقد بادرا لذلك فورًا بنسف الأقواس التاريخية في سوريا، والقيام بعملية انتحارية أمام السفارة الروسية في كابل، وتصعيد أعمال العنف في العراق، وهذه وجبة «أودوفر» فقط.
ما نأمله هو أن تسود في طهران روح الحكمة والعقل، فلا يزجون بالشعب الإيراني وقواته في هذه الأعمال الدنيئة، ويعرضون شعبهم لغضب بقية المسلمين، ويعمقون روح الطائفية التي أخذنا جميعًا نعاني منها. فهذه ستكون حربًا أهلية دامية لا تبقي من سوريا حجرًا على حجر.. لا تشاركوا فيها.
ما يفعله بشار الأسد وزمرته في هذه الحرب صفحة ملطخة بالعار. قلما قام قائد بما قام به من تدمير بلده وتقتيل شعبه، نساءً وأطفالاً، بالألوف، وتشريد أبنائه ليستجدوا من الغريب، ويغرقوا بالجملة مع عوائلهم في عرض البحار، وكأني به يردد كلمة صدام حسين: «من يرد هذه البلاد فليأخذها أرضًا من دون شعب». وكيف سيحكم وقد حكم عليه زعماء الدول، أوباما وكاميرون وسواهما، بأنه مجرم حرب؟ كيف تريده موسكو أن يجلس ويتفاوض معهم ويمد يده المضرجة بالدماء لمصافحتهم؟.. أم تراهم سينسون ما قالوه من كلمات عنه؟
يحاول الروس أن يجندوا بعض الشيشان لإعطاء تدخلهم صفة إسلامية. ولكن مهلاً، فهناك ألوف الشيشانيين يقاتلون مع المعارضة. أيراد أن يقتل مسلم شيشاني مسلمًا شيشانيًا لعيون الأسد؟ فحذارِ مما سيفعله الشيشان وداغستان في عقر دار الروس.
في هذا العصر الذي يتألق فيه الغرب بمنجزاتهم ويتنعمون بخيراتهم ويتأهبون للصعود إلى الكواكب والأقمار، وكله بفضل تحررهم الفكري ونبذهم لعنعنات وخرافات الطائفية، نجد أنفسنا يجرنا الأسد وحلفاؤه إلى الخوض في قاذورات القرون الوسطى وحماقاتها وهالاتها وعداواتها الطائفية التي حاولنا التخلص منها، وإذا بنا نواجه بفضلهم، وقاتل الله هذا الفضل، سنين، بل وأجيالاً، من الكره المتبادل والعشق للانتقام والقتل والانتحار والإرهاب، وكله من أجل فرد متيم بمنصبه وبطائفته.
يحاول الأسد وزملاؤه وحلفاؤه أن يعطوا هذه المطحنة صفة تقدمية ويسارية وعلمانية. دعونا من هذا الرياء، فلو كان الأمر كذلك لما دخلنا هذا النفق. بدلاً من تلك الانتخابات المزيفة التي عقدها على مزاجه، كان بالإمكان حسم النزاع بانتخابات شرعية تجريها الأمم المتحدة وتراقبها وتشرف عليها، وصولاً لنتيجة يقر بها ويحترمها الجميع والرأي العام العالمي على نحو ما جرى في العراق.