أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

فنزويلا وأزمتها مع النفط

مع التركيز على الأحداث الدرامية في أوكرانيا، نجد ثورة أخرى ضد الاستبداد على الجانب الآخر، بيد أنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الذي تستحقه. ومع ذلك، ففي ضوء الصراع الدائر رحاه في ساحة المعركة الثانية للحصول على الحرية، يمكن أن يكون لفنزويلا تأثير أكبر على إعادة تشكيل السياسات الدولية. ويمكن أن يؤدي التغيير الديمقراطي في فنزويلا إلى عكس مسار الاتجاه اليساري الاستبدادي الذي بدأ في أميركا اللاتينية قبل عقدين من الزمان تقريبا وكان الملهم للتغيير في الأرجنتين والأكوادور ونيكاراغوا وبوليفيا، بل وحتى إعادة توجيه المسار السياسي لدولة البرازيل المجاورة في ظل نظامها اليساري المعتدل. وللوهلة الأولى، يجب أن تكون فنزويلا واحدة من أكثر الدول الناجحة في العالم، حيث إنها تعد خامس أكبر الدول التي لديها احتياطي من النفط على مستوى العالم، بالإضافة إلى امتلاكها نسبة جيدة في سوق الطاقة في أميركا الشمالية. وعلاوة على ذلك، فإن فنزويلا لديها قدرات زراعية هائلة في ما يخص المحاصيل التجارية العالية القيمة. ولا يعتبر عدد سكانها - البالغ نحو 25 مليون نسمة - كبيرا للغاية بما يتسبب في مشكلات للتعامل مع الفقر المتأصل في البلاد وليس عددا صغيرا جدا بما يمنع ظهور سوق داخلية قوية. ومع ذلك، تعد فنزويلا الآن مثالا لأوجه القصور في ما يخص عملية التطوير، إذا لم يكن هناك فشل صريح وكامل. ويظهر من الأحداث الدموية التي وقعت في الأسبوع الأخير أن البلاد ربما تتجه نحو الحرب الأهلية.
كانت أول زيارة لي إلى فنزويلا في سبعينات القرن الماضي لإجراء مقابلة مع الرئيس كارلوس أندريس بيريز، وكنت مصدوما بسبب الفقر الذي يحيط بالعاصمة كاراكاس. ومن المفترض أن النخبة الحاكمة - التي ينتمي أكثرها إلى سلالة إسبانية وإيطالية - تتصرف مثل الطبقات الأوروبية العليا مثلما كانت تفعل في القرنين التاسع عشر والعشرين وتنظر إلى أغلبية الفقراء من خلال مزيج من الخوف والازدراء.
وبما أنني تعلمت الكثير بشأن المفارقة الفنزويلية، فإنني بدأت أتساءل عما إذا لم تكن البلاد ضحية أخرى من ضحايا «لعنة النفط» سيئة السمعة. ووفقا للقول المأثور لإحدى أبرز الشخصيات في مجال النفط بفرنسا، كريستوف دو مارجيري، فإن الدولة النفطية المثالية هي «الدولة التي لديها احتياطي كبير من النفط مع عدد سكان قليل». وخلال سبعينات القرن الماضي، كان هذا التعريف ينطبق بالشكل الملائم على فنزويلا. وعلى الرغم من ذلك، فربما أن مارجيري لم يأخذ في حسبانه الأثر السيئ للدخل الكبير من النفط الذي تسيطر عليه نخبة محدودة بالمشاركة مع الاتحادات الاحتكارية للمنتجين على المستوى الوطني. ومن ثم، فكلما زادت الصادرات النفطية لفنزويلا، أصبح شعبها أكثر فقرا بصورة نسبية.
ولم يكن هناك أي حافز لدى النخب الحاكمة من ذوي الأملاك للقيام بالمخاطرة عن طريق محاولة إجراء تطوير صناعي وزراعي. ولم تكن تلك النخب تحتاج إلى الشعب كقوى عاملة لأن الإنتاج النفطي يتطلب وجود عدد قليل من الموظفين يكون أغلبهم أجانب. وعلاوة على ذلك، لم تكن تلك النخب تحتاج إلى تصويت الشعب لها بسبب عدم وجود أي انتخابات أو بسبب إمكانية تحديد النتائج في حال محاولة ممارسة هذا الحق في التصويت. والأسوأ من ذلك أن النخب التي تتمتع بالأملاك لم تكن بحاجة إلى تسديد الشعب للضرائب من أجل تمويل البلاد، حيث يغطي الدخل الناتج عن النفط النفقات العسكرية والأمنية والبيروقراطية. وفي نهاية المطاف، لم يكن حتى من الضروري للشعب أن يحارب من أجل وطنه عند الضرورة، حيث تفعل هذا الأمر قوات القوى العظمى التي لديها اهتمام بالتدفق الحر للنفط.
وبناء على ذلك، فعندما حقق هوغو شافيز فوزا كاسحا في عام 1999 وجاء إلى السلطة من خلال تيار الشرعية الشعبية، كان يأمل البعض منا أنه ربما ستكون أمام فنزويلا فرصة أفضل، ولكن اتضح لنا كيف أننا كنا مخطئين حيال ذلك. وفي الوقت الحالي، يجري استخدام نفس الدخل من النفط لتقديم الدعم للفساد المتغطرس تحت حكم بيريز للمساعدة في تحقيق أوهام الاشتراكية البوليفارية لشافيز. أدرك شافيز أنه ما دام استمر تدفق الدخل الناتج عن النفط، فإنه - أيضا - ليس بحاجة إلى الشعب. وبدأ شافيز في اتباع الاشتراكية الخاصة بروبين هود - الذي يسرق من الأغنياء ليعطي للفقراء. وعلى الرغم من ذلك، فبعد مرور فترة قصيرة لاحظ شافيز أنه وحاشيته الكبيرة كانوا أغنياء ويجب - وفقا لروبين هود - تعرضهم للسرقة. ومن ثم اتجه شافيز إلى اتباع الاشتراكية المتركزة على مذهب الستالينية والتي يعتريها الأمور الساذجة المناوئة للإمبريالية.
وبعد مرور 15 عاما وخضوع البلاد تحت حكم الرئيس نيكولاس مادورو - خليفة شافيز - يبدو المشهد في فنزويلا مماثلا بشكل كبير لمشهد تصادم بشكل أكثر من كونها دولة متميزة. وفي ضوء وصول نسبة التضخم إلى 57 في المائة وزيادة نسبة البطالة إلى أكثر من 20 في المائة، ينحرف الاقتصاد الوطني - إذا كان هناك مثل هذا الأمر - ليتجه نحو الهاوية. ويعاني أكثر من نصف سكان البلاد من مشكلة نقص الغذاء، بينما أصبحت مسألة انقطاع الكهرباء وتخصيص نسب من المياه هي القاعدة السائدة في بعض الأقاليم. وعلى مدار الأعوام الـ15 الماضية، هاجر أكثر من 2.2 مليون فنزولي - من بينهم مئات الآلاف من المختصين. وبدلا من ذلك، قامت فنزويلا بجلب عشرات الآلاف من الأشخاص من كوبا بجانب الإرهابيين الكولومبيين الهاربين من القوات المسلحة الثورية الكولومبية. وبالإضافة إلى ذلك، اعتمد النظام الشافيزي على دعم الشبكة الأمنية التي أسستها الاستخبارات الكوبية، حيث يوجد 1200 فرد - من البعثة العسكرية الإيرانية و«المتطوعين» التابعين لحزب الله - بين الجاليات الشرق أوسطية عبر أميركا اللاتينية.
وعلى الرغم من ضخامة ثروتها النفطية، تتذيل فنزويلا القائمة في ضوء معدل النمو والتطوير والتنويع.
ولكي نتحدث بشكل أشمل، تأتي فنزويلا بعد الدول الإسلامية التي تعاني فقرا بصورة مزمنة مثل باكستان ومصر. وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض القطاعات التي تحتل فيها فنزويلا المركز الأول على مستوى العالم. ففي العام الماضي، شهدت البلاد أكثر من 25 ألف حالة قتل، مما جعلها تتربع على رأس القائمة بين دول العالم متفوقة بذلك على هندوراس وجنوب أفريقيا. وفي ضوء وجود 113 وزيرا، تفوقت فنزويلا على الصين لتخطف منها المركز الأول في ما يخص البيروقراطية غير المتوازنة.
لا يعرف أحد ما هي الحالة التي قد تنتهي بها الأزمة الحالية في فنزويلا، فهناك إمكانية باستمرار لنشر الشبكة الواسعة للأمن والميليشيات - التي جرى إنشاؤها - لسحق الثورة الشعبية للمدنيين العزل. ومع ذلك، فهناك شيء واحد مؤكد - فحتى على الرغم من أن مادورو قد لا يعرف ذلك - فإن «الثورة» الشافيزية ماتت. ويتمنى السواد الأعظم من الفنزويليين - بما في ذلك الكثير من الذين دعموا شافيز في بادئ الأمر - مواصلة التحرك لتحقيق تطوير حيال ذلك. وهناك دلائل على أن القوات المسلحة ربما لا تكون مستعدة لقتل الشعب من أجل بقاء مادورو في السلطة. وعلى الرغم من ذلك، ففي الوقت نفسه، ربما لا يكون من المستبعد حدوث التحرك العسكري مثلما حدث في مصر استجابة للمظاهرات والاحتجاجات الشعبية. وستتمثل أفضل الحلول في خروج قطاع كبير وتركهم للمؤسسة الحاكمة وتعزيز مسألة توزيع السلطات مع المعارضة. وتظاهر مادورو بأنه يهدف إلى تحقيق هذا الهدف - في بداية هذا الأسبوع - عندما عرض إجراء حوار وطني. ومع ذلك، فإن الخروج من مستنقع الشافيزية هو الخطوة الأولى في سبيل تحقيق هذا الأمر. ويتمثل التحدي الحقيقي الذي يواجه فنزويلا في كيفية التخلص من لعنة النفط.