علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

ماذا كنا نقول؟

من الكليشيهات الظريفة في الإعلام المصري، وربما في الإعلام العربي، حكاية الامتناع عن التعليق على أحكام القضاء. يبدأ المذيع أو الضيف تعليقه على حكم قضائي ما بالقول: «طبعا أنا لا أقوم بالتعليق على أحكام القضاء، أنا فقط (تناىللاعهنو، هننققللاارغت).. وهدفي من ذلك هو (حكمهت البواتلا) مع مراعاة (بلقثلاتلب) لكي يكون البشر على بينة من أمرهم».
وأنا أيضًا من المستحيل أن أعلق على أحكام القضاء، وإلا تحولنا جميعًا إلى قضاة نبحث عن متهمين. هناك قداسة لأحكام القضاء.. هناك قوانين لا بد من تطبيقها ومعاقبة الخارجين عليها، فمن فضلك لا تحدثني عن مصلحة البلد. نعم مصلحة الشعب والمصالح العليا للدولة مقدسة هي الأخرى.. فهل أنت تطلب مني مراعاة هذه المصالح والعدوان على القانون أو إغفاله أو عدم الالتزام به؟ يا لبؤس ما تطلبه مني.
أعرف أن أميركا زعلانة وإنجلترا وأستراليا وكندا.. وعدد كبير من بقية عواصم العالم، وأعرف أن من يسمون أنفسهم جماعات حقوق الإنسان في العالم كله سيشنون علينا حملة شعواء، وبالطبع سيقومون بتسميم شعوبهم ضدنا، وستتوالى علينا الاتهامات في العالم كله.. طبعًا في البداية ستأخذنا العزة في طريق الدفاع عن أنفسنا بالهجوم عليهم وشتيمتهم، ولكننا بعد أن نكتشف خسارتنا الرهيبة، سنلجأ معهم للطف والظرف والاستعطاف، ومعلهش والنبي يا بيه أصل حضراتكم مش فاهمينا..
وبالمناسبة، المشكلة هنا ليست القانون أو أحكام القضاء، المشكلة الحقيقية هي الخوف من الغرب، ثم التعامل معه بنفاق آنَ له أن يتوقف. عشرات السنين ونحن نرضع الناس لبن الكراهية والعداوة ضد الغرب.. نحن لا نقبل أفكاره التي استند إليها في نموه وتطوره وحضارته بشكل عام.. عشرات السنين ونحن نحذر الناس من الغرب الشرير، الذي يعمل على تقسيمنا وتفتيتنا والقضاء علينا.. نحن نرحب فقط بمعوناته. وبالمناسبة، هذه المعونات ليست بريئة، هناك وراءها هدف بعيد هو ألا تتوقف مصانعهم. هكذا استطعنا أن نتعامل مع الغرب طبقًا لقاعدة: «حسنة وأنا سيدك»، وبهذه الطريقة فقط استطعنا حماية أنفسنا من أفكارهم الخارجة عن الأدب والتهذيب والأخلاق الكريمة. كما استطعنا، وهو الأمر الأكثر أهمية، أن نلتف حول الحرية الاقتصادية بحيث نظل اشتراكيين. الواقع أننا تمكنا من اختراع اقتصاد جديد يتميز بأنه حر وموجه في الوقت ذاته.. آه.. لقد أخذنا الكلام لبعيد.. إحنا كنا بنقول إيه؟ أحكام القضاء؟ لا يا عزيزي، أنا لا أعلق على أحكام القضاء.