حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

حُظِر النقاب فقلق اليهود!

طيلة الأربعة عشر عاما التي قضيتها في أميركا وبريطانيا متنقلا بين الدول الغربية والأميركيتين أحضر فيها المؤتمرات والندوات، وورش العمل المتخصصة في الحوار، لأول مرة أسمع عن قلق الجالية اليهودية من المستقبل الغامض لحرياتهم الدينية والتي عبر بها بعض قادتهم لعدد من قيادات الجالية الإسلامية في الغرب، ولا ينطلق هذا التخوف مثلاً بسبب مشروع سن قوانين جديدة تمس حريات الجالية اليهودية مباشرة، كما جرى للجالية المسلمة حين حٌظر تشييد منارات المساجد في سويسرا ومُنع النقاب في فرنسا بقوة القانون، بل أثار قلقهم هذه القوانين التي مست الجالية المسلمة في الغرب.
لقد أدرك بعض قيادات اليهود في الغرب، كما يحدثني بذلك أحد قيادات الجالية الإسلامية البارزين في أوروبا، التقيتهم فيها مؤخرًا، أن الذي منع النقاب سيمنع الحجاب ثم في النهاية سيمنع طاقية الرأس اليهودية، وأن شعيرة المنارة التي حظرت بقوة القانون في سويسرا سيتلوها أي نوع من التضييق على مباني المعابد اليهودية، وأن هناك تخوفا من حظر يطال اللحم الحلال للمسلمين و«كوشر» اليهود متذرعين بالأسباب الصحية «Hygiene»، بل ثمة قلق عبر عنه بعض أحبار اليهود من حظر الختان أيضًا بدعوى عدم تطابق طرق وأدوات الختان مع المواصفات الطبية المعتبرة، ويؤكد هؤلاء الأحبار أن دولاب الحظر سيتدحرج وسيصبح مثل كرة الثلج تكبر مع الزمن، وأن الغاية البعيدة ليست أسبابا صحية، وإنما المستهدف في النهاية هو حريات الأقليات الدينية إسلامية ويهودية وغيرهما وستشمل، ربما، إظهار الشعائر للعامة كالصلاة في الأماكن العامة الجمع والأعياد، والموقف من المثليين، والأوقات التي لا يسمح فيها بالصلاة، والقائمة تطول، هذا القلق اليهودي يقول باختصار: إن اليهود قد ذُبحوا يوم ذُبح الثور الإسلامي الأبيض.
وبناء على هذه المعطيات الجديدة والتحديات المشتركة، يبرز هنا تساؤل: هل ستضطر قيادات الجاليات المسلمة في الدول الغربية إلى مد الجسور مع قيادات الجاليات اليهودية في سابقة تاريخية فريدة لصد طوفان المد اليميني النصراني المتطرف الذي قاد الحملة ضد الجاليات المسلمة وشعائرها الإسلامية وتسبب في سن قوانين صارمة للهجرة وضيق الخناق على بعض المؤسسات والمدارس الإسلامية، فيكون العمل الإسلامي اليهودي المشترك مفيدًا للجالية المسلمة في فك الأنشطة العنصرية التي لفها اليمين المسيحي المتشدد حول عنق الجالية المسلمة، ويكون هذا العمل المشترك ضربة استباقية وقائية للجالية اليهودية؟ فيستفيد المسلمون من اللوبي اليهودي القوي ونفوذه الذي لا ينافسه فيه أحد، ويستفيد اليهود من عدد المسلمين الكبير وكثرة مؤسساتهم ومراكزهم الإسلامية؟ أم يُلقي الصراع العربي الإسرائيلي الأزلي حول فلسطين ظلاله الشديدة على هذا التواصل، ويبقى كل فريق ينازل اليمين المسيحي المتطرف بطريقته وأسلوبه وتكتيكه؟