سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

غاندي وطاغور ورامز جلال

أوائل القرن الماضي كان أشهر وأهم رجلين في بلاد الهند زعيم يدعى غاندي وشاعر يدعى طاغور. كلاهما يعمل من أجل الاستقلال. وكان طاغور يأتينا في العالم العربي حيث يهب إليه الشعراء والسياسيون وطلاب الحرية. وكان ينقله إلى الغرب، ترجمة وتهليلاً، اثنان من كبار الشعراء: الأيرلندي وليم بتلر بيتس، والأميركي عزرا باوند.
لا يزال طاغور في البنغال (بنغلاديش اليوم) شاعر البنغال. وفي الهند شاعر الهند. لكن ظله يتباعد في العالم مع تباعد زمن الشعر، خصوصًا الكلاسيكي والسياسي والوطني منه. إذا كنت قد قرأت طاغور شابًا فسوف تظل تعود إليه.
عندما تعود إلى طاغور الشاعر، يظل يفاجئك طاغور الإنسان. كان يرافق غاندي في المعركة من أجل الاستقلال ويختلف معه في سياسات كثيرة، وحتى في سلوك كثير. جلس غاندي حول نول صغير ودعا كل هندي أن يفعل ذلك نصف ساعة في اليوم. وقال طاغور، هذا تخلّف أيها المهاتما. المستقبل للعلم والمصانع وليس للنول اليدوي الذي أمامك. قم ادع الهنود إلى العلم والتطور وتقليد الإنجليز في الوقوف على أقدامهم. ارفضهم كمستعمرين وليس كمتقدمين.
وضرب زلزال إحدى الولايات الهندية فقال إن ذلك عقاب من الله لكثرة الضلال فيها. فقال طاغور، أيها المهاتما العزيز، هذه مسألة لها علاقة بالفيزياء والجيولوجيا وليس بغضب العزة الإلهية، وهل يعقل أن يعاقب الله تعالى الأطفال والنساء على شرور الأشرار والخبثاء والعدميين.
وقع الزلزال في بيهار التي تمارس أسوأ المعاملة ضد طبقة المنبوذين، أو الذين «لا يلمسون». وهم فئة من الطبقات الدنيا كان عليهم أن يخاطبوا الآخرين عن بُعد ولا يلمسوهم. وكان طاغور الأشد حماسًا إلى جانب غاندي في الدفاع عنهم ومحاربة الفروقات العنصرية في الهند. وأيد في مرحلة طائفة السيخ، التي حاول دعاتها الجمع بين الإسلام والهندوسية، فلاقوا العداء من الفريقين.
وحارب طاغور ضد القوميات التي تهدد الهند والعالم، وبعض التقاليد والممارسات كمثل ربط شاة إلى عمود. وقال هذه الصنمية لا تنفع إلا في تعذيب الشاة وتعويد الناس على فكرة التعذيب والتلذذ به. وكان هذا شعوري عندما شاهدت بعض حلقات رامز جلال وطائرته الرهيبة في برامج رمضان. وهذا النوع من المزاح الغليظ لا يليق بروح رمضان، أو أي شهر آخر، ولا بنجاحات «MBC».
ولنعد إلى روح طاغور السامية وقلبه البشري الوسيع. إلى الرجل الذي أعطي وشاح الإمبراطورية، وبعد سنوات وقعت مجزرة على أيدي القوات البريطانية، فخلع الوشاح، وردَّه إلى التاج البريطاني قائلاً: أنا لا أعلّق على صدري وشاحًا ملوثًا بالدماء.
إلى اللقاء..