مهند هادي
TT

معاً لمنع كارثة إنسانية أخرى عقب زلزال سوريا

اهتزت الأرض يوم السادس من فبراير (شباط) 2023، وخلفت خسائر لن تعوض في الأرواح، وخسائر في الممتلكات ستحتاج إلى أعوام طويلة من الإصلاح. وكأن الناس في سوريا لم يعانوا ما يكفي على مدار العقد الماضي، ليجدوا أنفسهم اليوم يواجهون وحدهم آثار زلزال مدمر لم يحدث مثله منذ أكثر من قرن، وربما أكثر. لقد شهدت سوريا الكثير من الأزمات والمحن، بدءاً من الحرب التي تسببت في تدمير البنية التحتية للبلد، ومقتل الآلاف من الناس، وتهجير مئات الآلاف، إلى الوباء الذي أثر على النظام الصحي، وترك آثاراً وخيمة على الاقتصاد. والآن، تعاني سوريا من محنة جديدة.
لقد قُتِلَ أكثر من ستة آلاف شخص في المناطق المتضررة من الهزات الأرضية داخل سوريا، وهذا العدد مرشح للازدياد مع أعداد المفقودين الذين ما زالوا تحت الأنقاض، وأُصيب أكثر من عشرة آلاف شخص آخرين.
الأضرار في المباني والبنية التحتية جسيمة وتفوق الخيال. فقد انهارت عشرات الآلاف من المباني السكنية خلال دقائق عدة، وأصبحت عشرات الآلاف من العائلات من دون مأوى، كذلك تضررت الخدمات الحيوية، مثل المستشفيات، والمراكز الصحية، وخطوط الكهرباء، وأنابيب المياه، وبنية الصرف الصحي.
من ناحية أخرى، لم تكن الأضرار النفسية أقل شدة من الأضرار المادية.
فقد خلف الزلزال هزة جديدة، وهي هزة نفسية ستحتاج سنوات وسنوات حتى تُمحى آثارها من ذاكرة من عاشوها. ويعاني نحو تسعة ملايين شخص في سوريا اليوم من آثار هذا الزلزال، حيث سيحتاج خمسة ملايين منهم إلى نوع من أنواع المساعدات الإنسانية في محافظات حلب وحماة واللاذقية وحمص وطرطوس وإدلب. وحتى قبل وقوع الزلزال، تشير التقديرات إلى أن أكثر من خمسة عشر مليون شخص في سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية هذا العام. وتعمل منظمات الأمم المتحدة داخل سوريا لتلبية الاحتياجات الإنسانية منذ اندلاع الصراع السوري عام 2011 لمساعدة نحو سبعة ملايين شخص كل شهر.
وبعد ثلاثة أيام من الإغلاق المؤقت للمعبر الحدودي مع تركيا بسبب الطرقات المتضررة نتيجة الزلزال، استأنفت الأمم المتحدة عملياتها الإنسانية إلى الشمال السوري عبر الحدود، في التاسع من فبراير. وقد تم نقل وتوزيع جميع المواد المتوفرة في المستودعات الموجودة في تركيا إلى سوريا لتوزيعها فور وقوع الزلزال، إضافة إلى توزيع المواد التي كانت متوفرة سابقاً في مستودعات الأمم المتحدة في سوريا. وفي غضون ساعات، خصصت الأمم المتحدة 25 مليون دولار من صندوق الطوارئ لدعم الاستجابة في كل من تركيا وسوريا. ولاحقاً، تم تخصيص 25 مليون دولار إضافية للاستجابة داخل سوريا فقط.
ونعمل حالياً على توسيع نطاق الاستجابة للزلزال وإدخال أربعين شاحنة محملة بالمواد الإغاثية اللازمة يومياً إلى الشمال السوري، وهذا ضعف كمية المساعدات ما قبل الزلزال. وجرى فتح معبرين، هما «باب السلام» و«الراعي»، إضافة إلى «باب الهوى»، ودخلت عن طريقها أكثر من ثلاثمائة وثمانين شاحنة منذ بداية وقوع الهزة.
نحن ملتزمون بمواصلة مساعدة السوريين للتخفيف من آثار الصراع والهزات الأرضية، من خلال تقديم المساعدات الضرورية للأشخاص الأكثر احتياجاً وحمايتهم. وتقع على عاتقنا مسؤولية الوصول إلى جميع السكان المتضررين ومساعدتهم، أينما كانوا في جميع أنحاء سوريا.
بالإضافة إلى التأثير المباشر للزلزال، تتفاقم الاحتياجات الإنسانية بسبب أشهر الشتاء، والأزمة الاقتصادية، وأزمة الغذاء والوقود العالمية، وتفشي الأمراض. ونحن قلقون للغاية من احتمال حدوث كارثة إنسانية أخرى بسبب الأضرار التي لحقت بشبكات المياه، وامتزاج مياه الشرب مع مياه الصرف الصحي، خصوصاً وسط تفشي الكوليرا الذي لا يشكل خطراً على الأشخاص المقيمين في سوريا فحسب، بل يشمل خطورة الانتشار لدول الجوار. إنه تهديد حقيقي يجب احتواؤه.
وقد أطلقت الأمم المتحدة نداءً عاجلاً بقيمة ما يقرب من 400 مليون دولار لتقديم المساعدة العاجلة المنقذة للحياة إلى ما يقرب من خمسة ملايين سوري من المتضررين من الزلازل، لمدة أولية مدتها ثلاثة أشهر. وهناك حاجة إلى تمويل عاجل ومرن لتلبية الاحتياجات الإنسانية السابقة والجديدة لملايين المدنيين المتضررين، حيث يقوم الشركاء في المجال الإنساني بإعادة تنسيق استجابتهم لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً أولاً، واستدامة العمليات المنقذة للحياة. إن الاحتياجات الأكثر إلحاحاً في اللحظة الراهنة هي المأوى والمستلزمات الشتوية والمساعدات النقدية والإمدادات الطبية ودعم المراكز الطبية وإزالة الأنقاض.
إنني أناشد الجميع، وكل من يمكنه المساعدة، من هيئات ومؤسسات وجهات مانحة وأفراد في المنطقة وحول العالم، بالاستمرار في دعمهم للناس في سوريا بكافة الوسائل المتاحة، بما في ذلك دعم استجابة المؤسسات الأممية الإغاثية من خلال الدعم المادي لهذا النداء. إن هذه الأزمة هي اختبار حقيقي للسخاء والتضامن والدبلوماسية العالمية؛ لذا يجب بذل أقصى الجهود لتخطي عواقب هذه الكارثة الطبيعية بأقل الأضرار، ولمنع كارثة إنسانية أخرى.
فمعاً نستطيع إنقاذ الأرواح.