مطر الطاير
المدير العام ورئيس مجلس المديرين لهيئة الطرق والمواصلات بدبي
TT

الخيار الوحيد لنهضة اقتصادية

يجسد الابتكار اليوم مطلبًا عالميًا تتنافس الدول العالمية ذات الاقتصاد القوي على تبني مفهومه وممارساته، لإيمانها بأنه محرك النمو الاقتصادي وعنصر أساسي في بناء اقتصاد مستدام يستند إلى المعرفة. الابتكار لا يأتي من عبث وإنما هو محصلة سياسات ومبادرات لا تنفذها وتدعمها الحكومة فحسب، بل يشترك فيها القطاع الخاص لإنشاء بيئة متكاملة قائمة على المعلومات والتكنولوجيا والمعرفة تشجع على الابتكار وتجعل المواطنين جزءًا من هيكلها. وترى الحكومات المبتكرة أن التنمية تعتمد على تطوير الموارد البشرية فهم أغلى ثروة تملكها وركيزة النهضة التي تعمل لأجلها.
وبالنظر إلى الولايات المتحدة كنموذج في مجال الابتكار، فإن اقتصادها استفاد من الاستثمارات في القطاعين الحكومي والخاص في مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيا، وأدت هذه الاستثمارات إلى خلق ملايين الوظائف في القطاع الخاص، كما أن هذه الاستثمارات ساهمت في بناء صناعات بأكملها ودفعت الولايات المتحدة إلى تحقيق الريادة في بعض المجالات مثل الرعاية الصحية والاتصالات. واليوم أصبح من الضروري تبني القطاعات الحكومية والخاصة في العالم العربي لسياسات ذكية من شأنها أن تحفز الابتكار وتحقق التنمية الاقتصادية والاستقلال الصناعي.
وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة هدفًا رئيسًا بحلول عام 2021 وهو أن تكون ضمن أفضل 20 دولة عالمية في مؤشر الابتكار العالمي. وتأتي هذه الرؤية الإيجابية نحو النمو الاقتصادي الذي ستشهده الدولة في الستة أعوام المقبلة كنتيجة للاستراتيجية الوطنية للابتكار بإعلان الدولة 2015، عامًا للابتكار. تولي دولة الإمارات اهتمامًا كبيرًا بالتعليم وتدرك دوره المحوري في تعميم الابتكار على جميع القطاعات، وضرورة مواصلة ومضاعفة الدعم المقدم للبحث العملي في الجامعات من قبل الحكومة والقطاع الخاص. وتسير الدولة في الاتجاه الصحيح لتحقيق اقتصاد المعرفة، حيث تهدف إلى مضاعفة حجم الإنفاق على البحث والتطوير ثلاث مرات بحلول عام 2021. ولا يمكن تطبيق سياسة الابتكار من دون إشراك المنظومة التعليمية وذلك لتنمية حب الابتكار والعلوم لدى الطلاب الذين يشكلون شريحة كبرى ومحورية في أي مجتمع. إضافة إلى زيادة الوعي بأهمية الأنشطة الطلابية التي تحفز الابتكار والإبداع سواء في المدارس أو الجامعات أو المعاهد وغيرها من المؤسسات التعليمية.
وأنشأت الدولة مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي، الذي يعمل على تطوير منظومة متكاملة من الأدوات الحديثة لمساعدة الجهات الاتحادية والمحلية على الابتكار في مجالات السياسات الحكومية والخدمات المقدمة للجمهور، للوصول إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة، وأطلق أول دبلوم متخصص من نوعه في مجال الابتكار الحكومي بالتعاون مع جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة.
كما أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مبادرة «دبي الذكية» لتحويل دبي إلى المدينة الأذكى في العالم خلال ثلاث سنوات، وتعد هذه المبادرة مثالاً يُحتذى لتجربة تعتمد على الابتكار والتكامل بين الجهات المختلفة، ولا تعتمد فقط على التقنيات، حيث ترتكز المبادرة على ثلاثة محاور رئيسية هي التواصل والتكامل والتعاون. وقد اعتمد الاتحاد الدولي للاتصالات دبي أول مدينة في العالم لتطبيق مؤشرات أداء المدن الذكية وهكذا، أصبحت دبي مرجعًا عالميًا في هذا المجال.
ولأن قطاع النقل يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية في إمارة دبي، تبنت هيئة الطرق والمواصلات حلولاً إبداعية لمواجهة تحديات النقل التي تواجه الإمارة وتمكنت، بفضل دعم القيادة الرشيدة من دمج الابتكار في الخدمات المقدمة للجمهور لإسعادهم. ولدينا في الهيئة لجنة دائمة للابتكار مهمتها تطوير الخطط والبرامج والمبادرات للمساهمة في تنفيذ رؤية القيادة بتحويل دبي إلى المدينة الأكثر ابتكارًا في العالم، وقسمًا للإبداع يتولى تطوير عمل الإبداع والابتكار في الهيئة وقيادة أنشطة الابتكار ونشر التوعية بالممارسات القيادية والإدارية والفنية اللازمة لتطوير الفكر الإبداعي، وتطوير وتحديث قاعدة بيانات مركزية بجميع دراسات ومخرجات أنشطة البحث والتطوير والابتكار، وتوفيرها للمؤسسات والقطاعات في الهيئة. ومن بين المبادرات التي نفذتها الهيئة تأسيس مختبر للإبداع يُعنى بتطبيق أفضل الممارسات العالمية في عدد من مجالات عمل الهيئة، مما يساهم في تحقيق رؤية الهيئة «تنقل آمن وسهل للجميع». كل هذا المبادرات والمشاريع مجتمعة مكّنت دبي، عبر منظومة مواصلاتها المتكاملة، من التفوق على دول عالمية عريقة في مجال النقل والمواصلات وتعزيز تنافسيتها عالميًا كإمارة حاضنة للابتكار ووجهه لرواد الأعمال والمستثمرين.
إن تعزيز سياسات الابتكار يتطلب تبني أفضل التقنيات التكنولوجية وإدخال آليات جديدة لدعم الابتكار ونشر التكنولوجيا عبر تشجيع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وتسهيل ولادة الشركات الجديدة من خلال تذليل العقبات على مستوى القوانين والتمويل وسن التشريعات والقوانين التي ترعى الابتكار، وتخرط جميع فئات المجتمع فيه، وتضمن حقوق الملكية الفكرية وتجذب المبتكرين للدفع نحو اقتصاد المعرفة. وإن من شأن إنشاء جائزة عربية للابتكار لتكريم جهود وإنجازات المبتكرين والمخترعين، أن تضخ الإلهام والأمل لديهم لمواصلة مشوارهم في تطوير المعارف، وتعزيز الانفتاح الثقافي لاستقطاب الفرص الاستثمارية المجدية.
الابتكار كالشجرة يحتاج إلى اهتمام ورعاية حتى ينمو ويفيض بثماره على البنية الاقتصادية والمجتمعية، فهو أساس تطور أي مؤسسة والارتقاء بخدماتها بما يحقق سعادة ورضا المتعاملين. وعلى الجهات الحكومية والخاصة أن ترسخ الابتكار كممارسة قياسية يتعاون فيها الجميع لتحقيق الهدف النهائي وهو الوصول إلى اقتصاد قائم على المعرفة يسهم في تحقيق رؤية الدولة بأن تكون من بين أفضل دول العالم، ونحن نحتفل باليوبيل الذهبي للاتحاد الميمون في 2021 بإذن الله.
أخيرا، وكما قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ذات مرة: «الابتكار هو أن تكون أو لا تكون: أنا حكومة مبتكرة، إذن أنا حكومة موجودة»

* المدير العام ورئيس مجلس المديرين لهيئة الطرق والمواصلات بدبي