د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

الخليج بعد الصفقة الإيرانية

وقعت إيران والدول الست (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، مع ألمانيا) اتفاقا وصف بأنه تاريخي، إذ يعيد طهران إلى المجتمع الدولي.
السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم هو: هل هذا الاتفاق التاريخي يصب في مصلحة دول الخليج العربية أم لمصلحة إيران والدول العظمي فقط؟ المراقبون السياسيون يؤكدون أن الاتفاق يرضي جميع الأطراف، فإيران قبلت تأجيل إلغاء العقوبات خصوصًا في مجال التسلح والسماح بتفتيش المنشآت النووية والعودة إلى العقوبات بعد ستين يومًا إذا تم اكتشاف الخروج على أي بند في الاتفاق.
هنالك تخوف خليجي جاد بأن الأموال التي ستحصل عليها طهران، وهي 120 مليار دولار، قد تستعملها في تمويل التمدد الإيراني في المنطقة ودعم الحركات والميليشيات الشيعية في المنطقة وتحديدًا العراق وسوريا ولبنان واليمن وقطاع غزة.
هذه الرؤية السلبية تجاه الاتفاق ليست صحيحة، الأموال التي ستحصل عليها إيران هي في أمس الحاجة إليها لإعادة بناء بنيتها التحتية المتهالكة، منها مثلاً إعادة بناء مصافي النفط والموانئ والكهرباء وغيرها..
الاقتصاد الإيراني في انحسار نسبي مستمر ليس بسبب العقوبات الدولية فقط، ولكن بسبب السياسات الاقتصادية الشعوبية والهدر والملكية العامة والحركة الاقتصادية ومحاربتها للملكية الخاصة والاستثمارات الأجنبية.
كل هذه السياسات أدت إلى هبوط قوة إيران العسكرية، ففي السابق في فترة حكم الشاه كانت إيران تمثل شرطي الخليج في المنطقة.. أما اليوم فإن طهران تواجه صعوبات مستمرة في دعم حلفائها في العراق.. فقد وقفت إيران بقوة مع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، ولعبت قوات وميليشيات من الحرس الثوري بقيادة قاسم سليماني دورًا فعالاً في دعم قوات الحشد الشعبي العراقي المكون من الأحزاب الشيعية الطائفية التي لم تستطع هزيمة تنظيم داعش في الفلوجة والرمادي ناهيك بهزيمة «داعش» في القائم ومن ثم الموصل. ورغم كل تأكيدات الحكومة العراقية بأن عملية تحرير الأنبار قد تأتي بعد أيام فإن واقع الحال يؤكد مضي أكثر من سنة على احتلال «داعش» للموصل ولم يحدث شيء. ويعود سبب هزيمة إيران في العراق إلى عدم قدرة سلاح الجو الإيراني على توفير الدعم للحشد الشعبي.. مما دفع بالحكومة العراقية للاستعانة بقوات التحالف الدولية للتدخل لتوفير الغطاء والدعم الجوي للجيش والشرطة والحشد الشعبي حتى تتمكن من مواجهة تنظيم داعش.
التحولات الأخيرة في المنطقة تؤكد أن إيران في الطريق لخسارة العراق لأنها غير قادرة على دعمه عسكريًا أو ماليًا، فالدعم السياسي الذي كانت تقدمه حكومة المالكي يأتي عن طريق الأحزاب الشيعية الموالية لطهران.. وهو دعم مكلف جدًا للحكومة العراقية ماليًا وسياسيًا.
إيران اليوم حتى بعد الاتفاق التاريخي لا تملك القدرة على المحافظة على المواقع التي احتلتها، فالعراق الذي تخلى عن الولايات المتحدة في مرحلة حكم المالكي نراه اليوم يحاول بعد تسلم حيدر العبادي للسلطة تجديد علاقته مع الولايات المتحدة ويطالب بمساعدته.. كما يحاول تحسين علاقته مع دول مجلس التعاون الخليجي.
الانتصارات التي حققتها المقاومة الشعبية في عدن باليمن تمهد الطريق أمام العودة الشرعية لليمن وانحسار نفوذ الحوثيين المدعومين من إيران، مما يعد دليلا آخر على انحسار النفوذ الإيراني.
العالم العربي اليوم بدأ يحقق نجاحات في مواجهة المد الإيراني، فالمجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، أكد على لسان الرئيس الأميركي باراك أوباما أن «لا تطبيع مع إيران وخلافاتنا عميقة».. وهذه فرصة للعرب لتوحيد جبهتهم الداخلية والخارجية والاهتمام بقضايا التنمية والازدهار الاقتصادي بدلاً من الدخول في حروب عبثية.
* كاتب كويتي