مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

جنبلاط إن حكى

أغلب الأحداث التي نعيشها الآن، أو عشناها قبل، من حروب واتفاقيات، وسجن واغتيالات، ووئام وشقاق، لا نعرف من حقيقة وقائعها إلا القليل.
سبب ذلك أن أبطال القصص لا يروون حقيقة دورهم فيها، إما حماية لمصالحهم، أو خوفا على مصيرهم ومصير من يهتمون لأمره، وإما إمعانا في التمويه على العموم، لإخفاء السر المكتوم، فظهور السر يعني فساد الأمر.
أيا كان السبب، فإن ثمة تاريخا موازيا، لكل الأحداث في تاريخ البشر، فكل رواية، هي سرد جديد، وزاوية مختلفة لرؤية ما جرى وتصويره. لا يختص هذا بالعرب والمسلمين، بل في التاريخ البشري كله، وإن كانت الشفافية لدى الغربيين أوضح كثيرا من غيرهم، لذلك تكون مرويات التاريخ والواقع عندهم أغنى وأثرى. لكن في لحظات معينة، ربما بعد مرور عقود أو نصف قرن، تصبح الرواية المكتومة جاهزة للظهور والتبدي. وهذه الأيام يدلي القيادي السياسي اللبناني، وليد جنبلاط، بشهادة تاريخية أمام المحكمة الدولية، عن اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الفقيد رفيق الحريري 2005.
البيك الاشتراكي، والزعيم الدرزي العروبي، يتميز برؤية مختلفة دائما، ولديه حس عال بالتاريخ والمصائر الكبرى، ومما قاله في مستهل شهادته، بأنه بدأ عمله الصحافي في صحيفة «النهار» وبعد مقتل والده كمال جنبلاط عام 1977 انتخب بعد 6 أسابيع رئيسا للحزب التقدمي الاشتراكي.
وأشار إلى أنه عندما أسس والده الحزب عام 1949 «كان يطمح لأن يغير النظام السياسي الطائفي اللبناني لكن ظروف الطائفية في لبنان كانت أقوى»، معترفا بحزن: «لم أستطع تحقيق حلم كمال جنبلاط وحزبنا تقلص إلى مساحة ضيقة درزية بسبب الظروف».
وقال: «علاقتي مع النظام السوري بدأت عام 1977 بعد الأربعين من اغتيال كمال جنبلاط على يد النظام السوري، وأمام الخطر المحدق بلبنان الذي كان يتعرض إلى مؤامرة كان لا بد لي أن أوقع اتفاقا سياسيا مع من اغتالوا والدي».
وتابع: «في لقائي الأول مع بشار الأسد قال لي غازي كنعان أريدك أن تعلم من هم بيت الأسد. لم أعلق أهمية على هذه الكلمة وتذكرت هذه الكلمة أواخر 2005 عندما أجبر غازي كنعان على الانتحار».
كانت خبرته بالنظام السوري الأسدي حاضرة وهو يؤكد أنه قد: «تمت تصفية كل من عمل أو شارك في عملية اغتيال رفيق الحريري».
وقال: «لو استدعي رستم غزالة إلى المحكمة لكان قدم أدلة حول اغتيال الحريري». وكشف أن: «حكمت الشهابي حذرني مرات عدة من خطر النظام السوري».
الجنرال الأمني غزالة، قتل من قبل نظام الأسد نفسه قبل أيام، وهو متهم بالضلوع في اغتيال الحريري، وهذه الأيام تضاربت الأنباء إزاء صحة رئيس «مكتب الأمن الوطني» السوري اللواء علي مملوك ونقله إلى مستشفى في دمشق.
هناك كثر في لبنان وسوريا والعراق والأردن والخليج، لديهم شهادات تاريخية، فكم من جنبلاط نحتاج لكشف خزائن المؤامرات خلال نصف قرن مضى في منطقتنا؟
[email protected]