سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

«عاصفة الحزم».. إعصار وأم المفاجآت

حين سئل الجنرال ليود أوستين، قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي، عن التوقيت الذي أبلغته فيه السعودية عزمها القيام بعمل عسكري في اليمن، قال أمام جلسة لمجلس الشيوخ يوم الخميس الماضي، إنه تحدث مع وزير الدفاع السعودي «قبل تحركهم مباشرة»، وأضاف أنه لا يستطيع تقييم احتمالات نجاح الحملة لأنه لا يعرف «أهدافها المحددة».
سأقف عند توقيت علم الإدارة الأميركية بقرار المملكة العربية السعودية، وهو «مباشرة»، وبعض المسؤولين الأميركيين حدد الفترة الزمنية التي أبلغت فيها الإدارة الأميركية بقرار السعودية، بثلاث ساعات فقط قبل بدء العملية.. فإن كانت الضربة الأولى تمت في الثانية عشرة ليلا بتوقيت المملكة العربية السعودية، فإن وزير الدفاع السعودي اتصل بالولايات المتحدة الساعة التاسعة مساء، أي في الوقت الذي كانت فيه الطائرات على المدرج ومحملة ببنزينها وطياروها يلبسون خوذاتهم.
أن تفاجأ إيران مع كل عملائها في المنطقة، فذلك إنجاز يحسب لقيادات دول مجلس التعاون.. أن تفاجأ الولايات المتحدة مع كل أجهزة استخباراتها وعلاقاتها بالمنطقة، بالحدث، فذلك إعجاز أكثر منه إنجازا.
متى وكيف تشكل هذا الحلف الخليجي العربي الإسلامي؟ ومتى تم الاتفاق على تحريك سلاح الجو؟ إن الأيام والساعات التي سبقت هذا القرار هي مفصل السياسة السعودية الخارجية الجديدة، الذي يحتاج إلى أن يدرس في كتب العلوم الدبلوماسية وفنون الحرب العسكرية.
لا أعتقد أن أي ورقة بحث أو دراسة حول أمن منطقة الخليج أو المنطقة العربية أعدها أي من الباحثين والدارسين والمراقبين؛ عربا كانوا أم أجانب، لتقديمها خلال هذا الأسبوع، ستبقى على حالها، بل سيضطر أصحابها حتما لإعادة صياغتها، وإلا كانت ورقة مبنية على معطيات تقليدية بلا قيمة، لأنها لم تواكب آخر المستجدات التي جرت في المنطقة، وأي مستجدات؟ إنها مستجدات خارج المتوقع لجميع المراقبين.. حقا إنها مفاجأة.
«عاصفة الحزم» هي أم المفاجآت.. إنها تحول دراماتيكي لا يتسق مطلقا مع رتم الحراك الخليجي؛ لا السياسي ولا الأمني السابق مطلقا، فإن كانت «عاصفة الحزم» قد أربكت الولايات المتحدة، وجعلتها في موقف رد الفعل ربما للمرة الأولى في تاريخها وتاريخ العلاقات الخليجية - الأميركية، فكيف ببقية دول العالم، وكيف بإيران التي وجهت لها «عاصفة الحزم» ضربة قاصمة.
عنصر المفاجأة كان من أهم أسباب نجاح العملية.. الجميع فسر حشد القوات السعودية البرية على حدود اليمن واجتماع قيادات دول مجلس التعاون، بأنه إعداد لخطة دفاعية تبقي حدود المملكة العربية السعودية آمنة؛ بل إن توقيت اجتماع القمة العربية في شرم الشيخ يوم السبت الماضي، أحد الأسباب التي جعلت احتمال توقع أي خطوة عسكرية قبل الاجتماع احتمالا بعيد المدى.. كل المؤشرات كانت تسير إلى التعاطي بالرتم الخليجي الاعتيادي مع الأمور؛ شجب، فاستنكار، فنداء، فطلب، وبالمقابل سيستمر التوسع الإيراني بوتيرة سريعة دون عثرة على أيدي عملائه في المنطقة.. واجتماعات دول مجلس التعاون في موعدها، ولا قمة طارئة توحي بالجديد.. وعفوا حتى لو كان هناك اجتماع لقمة طارئة أيضا، فلم يكن أحد يتوقع أنه سيأتي بجديد، فإيران تبجحت بسيطرتها على باب المندب منذ بداية شهر مارس (آذار) الماضي، بعد أن تبجحت سابقا بقيادة الميليشيات العسكرية الشيعية في العراق، وقيادة حزب الله في سوريا، وتحكمها في مصير لبنان، حتى أفاق العالم يوم الخميس الماضي فجرا على واقع قلب كل الموازين، وخلط كل الأوراق.
لست بمعرض البحث في أسباب التغيير الآن، فهذا نتركه لواضعي مناهج العلوم السياسية.. قد يكون تفاقم المخاطر الأمنية لدرجة غير مسبوقة جعل التغيير غير مسبوق.. قد يكون فقدان عنصر الثقة بالتحالفات الأميركية الخليجية والاعتماد عليها كمظلة أمنية.. قد تكون شخصية الملك سلمان بن عبد العزيز، وربما جميع تلك الأسباب مجتمعة.. وغيرها، إلا أن المؤكد أنها سياسة خارجية مختلفة تماما، والمؤكد أنها خلطت الأوراق في كل الملفات العالقة؛ السوري، والعراقي، واللبناني، والملف النووي الإيراني كذلك.
العنصر الثاني الذي يستحق الإعجاب ويعد إنجازا حقيقيا، هو قدرة القيادة في المملكة العربية السعودية على حشد التأييد السياسي بهذا الحجم وهذا الاتساع؛ بحيث شمل 99.9 في المائة من دول العالم الذي لم يعترض منه على هذا القرار، سوى إيران وبضع دول تدور في فلكها.. الحصول على الشرعية الدولية لخطوة من هذا النوع، نجاح يستحق الإشادة حقا.
أما المفاجأة الأخيرة، فهي في قدرة قيادة القوات العسكرية السعودية على إدارة قيادة مركزية لأكثر من دولة عربية وإقليمية. حقا إن «عاصفة الحزم» اختبار أولي لهذه القدرات المتعددة؛ السياسية والعسكرية، للمملكة العربية السعودية، تجربه للمرة الأولى، ونجحت فيه باقتدار.
يبقى علينا أن نراقب عن كثب قدرة المملكة العربية السعودية في الحفاظ على تماسك وقوة هذا التحالف الذي بنته في الأيام الأخيرة، وألا يبقى تماسكا وقتيا واستجابة عاطفية تجمع بين دول هذا التحالف تلبية لدعوة من دولة امتدت يد الخير لها في أحلك الظروف. إن تلك المشاعر لا يمكن أن تبقي تحالفا سياسيا متماسكا إلى فترة طويلة، فما بالك ونحن أمام استحقاق لتحالف عسكري، خاصة مع وجود بعض التباينات في المواقف الخليجية تجاه اليمن، حيث تتقاطع بعض التحالفات مع أجندة «عاصفة الحزم» كما هو معروف، مما قد يشكل عقبة أمام تماسكه.
إن تماسك هذا الحلف يتطلب عنصرين؛ الأول هو فترة زمنية قصيرة تتحقق من خلالها أهدافه السياسية بعودة الشرعية اليمنية إلى صنعاء، وتسليم الحوثيين أسلحتهم الثقيلة وتخليهم عن مقار الحكم.
أما العنصر الثاني، فهو الاتفاق على جدولة المخاطر بين جميع الحلفاء وبالأخص دول مجلس التعاون، التي هي عصب هذا التحالف وعموده الفقري، وأن يتفقوا على الأهداف الاستراتيجية لا الأهداف التكتيكية القصيرة، أي أن يكون هناك اتفاق واضح على أن الهدف الاستراتيجي الأهم الآن، الذي يأتي على رأس القائمة والذي لا يحتمل التأخير، هو وقف التمدد الإيراني على يد الحوثيين تحديدا، وقبل أي مخاطر أخرى تمر بها المنطقة، كالتصدي لـ«الإخوان» في اليمن، أو غيره من الأهداف، مما قد تعتبره بعض الدول الخليجية على رأس قائمة أولوياتها. ما لم يعِ ويؤمن ويتفق جميع أعضاء هذا التحالف، وعلى رأسهم دول الخليج، على أن الهدف الاستراتيجي قد يكون حلا وطريقا سالكا وممهدا لبقية الأهداف الأخرى، فإن التحدي سيكون كبيرا أمام المملكة العربية السعودية.