محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

ابن بطوطة معاصر

ذات يوم، قبل نحو أربع سنوات، وصلت إلى مدينة الدوحة في تلبية لدعوة. حال خروجي من المطار اتصلت بصديق يحمل، مثلي، هموما سينمائية لأخبره بأنني هنا وقد نتقابل إذا ما سنحت الفرصة. قال: «وصلت في الوقت المناسب. يا لك من محظوظ».
قلت: «لم أكن أعلم أنني محظوظ. خير؟».
قال: «أريد أن أعرّفك على منتج ومخرج عالمي يريد تصوير فيلم في البلاد العربية ولديه فكرة هذا الفيلم لكنه يبحث عن كاتب سيناريو جيّد».
على طاولة الغذاء في اليوم ذاته اكتشفت أن المخرج والمنتج العالمي هو هندي. هنا غابت تلك الابتسامة، ليس عن استخفاف بالهنود، فلديهم سينما ناجحة والكثير من التندوري، لكن لأن هذا سيعني إشكالات، إذ لم يسبق لي أن تعاملت مع سينمائي هندي خصوصا أن اسمه لم يعن لي شيئا.. «هو أيضا رسّام مشهور.. تُقام له معارض ويبيع لوحاته بأسعار مرتفعة. وهو من سكان الدوحة منذ سنوات عديدة».
تم تحديد موعد بعد يومين. وصلت وصديقي إلى فيلا تقع في أحد شوارع الدوحة الهادئة. دققنا الباب. فتح أحد الخدم. هناك في الرواق المؤدي إلى غرفة الصالون لوحات صغيرة وكبيرة مصطفّة على الجدار. تطلعت إليها عابرا. لاحظت أنه يستخدم رؤوس الجياد كثيرا.
بعد قليل استقبلنا. كان رجلا في أواخر السبعينات لكنه بدا بصحة جيدة. سألني وسألته وتحدّثنا عن الأفلام ثم قال: «لديّ الفكرة وأريد التنفيذ ويجب أن يُكتب السيناريو بالعربية، وسأسند ترجمته إلى مترجمين محترفين»، ثم أشار إلى صديقي وأضاف: «أريده أن ينتج هذا الفيلم معي».
اهتز صديقي طربا فهو كان يبحث عن هذه الفرصة منذ سنين. سألت السينمائي: «وما هي هذه الفكرة؟».
أجاب جادّا: «رجل مغربي يقرر القيام برحلة ابن بطوطة كاملة فينطلق مثله من المغرب ويتخذ نفس مسار الرحالة العربي الشهير. كل هذا وهو راكب على ظهر حمار».
سألته: «هل الفيلم تاريخي؟». أجاب: «لا. هو فيلم معاصر تقع أحداثه اليوم».
سألت: «سيكون من الصعب بيع المشاهدين أن رجلا في هذه الأيام اختار ركوب حمار في رحلة شاقة كهذه، هذا إذا ما وجدنا له التبرير الصحيح للقيام بهذه الرحلة أساسا. هل نستطيع أن نقول إنه حاول القيام بالرحلة راكبا حمارا قبل أن يغيّر موقفه؟». كرر: «عليه أن يركب ظهر حمار طوال الرحلة».
تركته وصديقي وأنا أفكّر في كيف يمكن جعل هذه الفكرة عملا قابلا ولو للحد الأدنى من التصديق. لن يكون سهلا بيعها للمشاهد. الحمار بطيء ولا يعدو، ولم يبلغن أن راكب حمار استطاع اجتياز الصحاري والربوع من صحراء المغرب إلى صحاري الحجاز.
لم أهتد إلى حل. ولم يكتب غيري هذا السيناريو. صديقي لم يصبح منتجا. والسينمائي أقلع عن المشروع وانشغل برسوماته وإحداها كانت عن رجل يركب حمارا!.. لقد وجد الحل الأرخص والأسهل بكل تأكيد.