ليونيد بيرشيدسكي
TT

كيف وصل التطرف إلى بروكلين؟

وصل الاثنان ذوا الجنسية الأوزبكستانية، والآخر ذو الجنسية الكازاخستانية، الذين تم القبض عليهم مؤخرا في بروكلين بتهمة التخطيط للانضمام إلى تنظيم داعش، إلى تلك الجماعة المتطرفة فقط بعد هجرتهم إلى الولايات المتحدة. وعلى المرء أن يسأل ما إذا كان هناك شيء ما في تجربتهم في الولايات المتحدة، لا في بلادهم التي تقع في وسط آسيا التي غادروها، دفعهم إلى هذا النهج المتطرف.
هل شعر هذان الرجلان اللذان يعملان في مجال صيانة الهواتف الجوالة، وبائع الطعام، بالخيانة أو بالاشمئزاز من نمط الحياة الأميركي؟ على الأرجح لم يحدث هذا؛ ففي الولايات المتحدة كان يتمتع كل من عبد الرسول جورابويف، وأبرور حبيبوف من أوزبكستان، وأخرور سيداخميتوف من كازاخستان، بحرية أكبر في التعرف على المعتقدات المتشددة المتطرفة والتعبير مقارنة بحريتهم في بلديهم؛ فقد فعلت الأنظمة العلمانية الاستبدادية، التي تحكم بلدان وسط آسيا، كل ما في وسعها من أجل القضاء على الجوانب المتطرفة من الديانة السائدة، حيث كانت ترى أن «الحركة الإسلامية» هي التهديد الأكبر لحكمها.
على العكس من ذلك، يمنح الغرب، نظرا لانفتاحه النسبي، للمتشددين مساحة للتطور. وفي بدايات تسعينات القرن الماضي، تخلصت كل من كازاخستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، من الفكر الشيوعي، لكنها لم تتمكن من التخلص من قادة الحقبة السوفياتية.
وكتب إيرين تاتاري، ورينات شايكوتدينوف، ورقة بحثية عام 2010 عن رد فعل الدولة تجاه تيار إعادة إحياء الدين في المنطقة: «كان من المتوقع أن تتجه المجتمعات في دول وسط آسيا إلى إعادة إحياء تراثها الإسلامي الذي تم طمسه إبّان الحكم السوفياتي، وأن تضفي على المشاعر القومية الدين ليكون عاملا محفزا في عملية بناء الدولة».
وفعل الرئيس إسلام كريموف، الذي كان من زعماء الشيوعية في أوزبكستان أثناء الحقبة السوفياتية، ما بوسعه بعد الاستقلال ليكون اسمه الأول على مسمى من خلال اتباع النهج الإسلامي، بل والقيام برحلة حج إلى مكة. وفي الوقت ذاته شكّل لجنة علمانية للشؤون الدينية للإشراف على تطبيق الإسلام في الدولة. وبعد وقوع هجوم إرهابي في العاصمة طشقند عام 1999، اعتقلت الحكومة 7 آلاف عضو من أعضاء التنظيمات المتشددة. ومنذ ذلك الحين هرب أكثر أعضاء «حركة أوزبكستان الإسلامية»، المسؤولة عن تنفيذ عمليات التفجير باستخدام السيارات المفخخة، من أوزبكستان إلى جبال باكستان، قبل أن يتوجهوا إلى سوريا حاليا حيث انضموا إلى تنظيم داعش.
وتعد أوزبكستان الآن واحدة من أسوأ الأماكن في العالم بالنسبة إلى التطرف. وأخبر لاتيب كوجاييف، من وزارة الداخلية في أوزبكستان، موقع «سنترال إيجا أونلاين» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي: «يتم تعقب وملاحقة كل من تشتبه أجهزة تطبيق القانون في علاقته بأي منظمة دينية سياسية تعد متطرفة. وهناك في طشقند فقط أكثر من ألف من المسجلة أسماؤهم».
ولم تكن كازاخستان أرض المسلمين الملتزمين دينيا، لكنها هي الأخرى سعت إلى السيطرة على الجماعات المتشددة، حيث اتخذ الرئيس نور سلطان نزارباييف موقفا صارما ردا على الأخبار الواردة بشأن توجه بعض الكازاخستانيين إلى الخطوط الأمامية للقتال في صفوف «داعش»، حيث صدّق خلال نوفمبر الماضي على قانون يمنع المواطنين الكازاخستانيين، والأجانب، المشتبه في تورطهم في أنشطة «متطرفة وإرهابية»، من دخول البلاد.
وربما يظن المرء أن حملات التنكيل والملاحقات التي تقوم بها الأنظمة العلمانية ستؤدي إلى عمليات انتقامية متطرفة، لكن النموذج الذي تقدمه بلدان وسط آسيا يشير إلى أن الدول البوليسية، التي تتصرف دون قيود، يمكن أن تنجح في الحيلولة دون حدوث مثل تلك العمليات.
وفي الغرب، يجد العمال المهاجرون القادمون من دول وسط آسيا ما هو أكثر من العمل والراتب، فهم يتمتعون بحرية أكبر في ممارسة الأنشطة الدينية بمختلف أشكالها والتي يتم قمعها في بلدانهم. وربما يكشف هذا عن سبب أن نسبة سكان أوزبكستان الذين ينضمون إلى تنظيم داعش أقل من بلجيكا، حيث تبلغ الأولى 33 في المائة، في حين تبلغ الثانية 40 في المائة. وعدد مقاتلي «داعش» القادمين من أوزبكستان قليل مثل ألمانيا، حيث لا يتعدى ثمانية من كل مليون. وحتى الولايات المتحدة، التي يبلغ عدد المقاتلين المنضمين إلى تنظيم داعش منها واحدا من كل مليون، وتعد قوانين الإرهاب المطبقة بها أكثر صرامة من القوانين المطبقة في الدول الأوروبية، تقدم فرصا أفضل في الدعوة للتطرف، وممارسته، أكثر مما تقدم أوزبكستان.
مع ذلك ليس هذا أمرا يدعو للأسى، فلا ينبغي أن يتطلع المواطنون الأميركيون إلى الأنظمة الاستبدادية في وسط آسيا كنموذج يحتذى في ما يتعلق بالسياسات الاجتماعية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»