راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

قوة عربية ضاربة تنقذ الإسلام

بدت عملية خطف المسيحيين الآشوريين في منطقة الحسكة السورية يوم الثلاثاء الماضي وكأنها تمثل ردًا سريعًا من «داعش» على كلام الرئيس باراك أوباما أمام «القمة الدولية لمواجهة التطرف» التي عقدت في واشنطن وحضرتها ستون دولة، الذي أعلن رفضه لما يروّج له البعض عن وجود «صراع حضارات»، وهو ما يخدم عمليًا الإرهابيين الذين يحاولون اختطاف الإسلام ووضعه في مواجهة العالم انطلاقًا من خلفية آيديولوجية دموية حاقدة وزائفة.
الواقع أن «داعش» كان قد استبق القمة المذكورة بذبح العمال المصريين الأقباط في ليبيا، ومع اختطاف الآشوريين كان واضحًا أن الإرهابيين يحاولون استنهاض مشاعر الكراهيات الطائفية، التي كانوا قد بدأوا بها عبر عمليات التصفية والسبي التي نفذوها ضد الإيزيديين في العراق، لكن هذا لا يمكن أن يحجب عمليات القتل والذبح والتصفيات الهمجية التي نفّذوها ضد المسلمين أيضا سواء في العراق أو في سوريا أو حتى في سيناء ضد الجيش المصري.
قمة واشنطن لمواجهة التطرف تزامنت مع المؤتمر العالمي الذي عقد في مكة المكرمة بعنوان «الإسلام ومحاربة الإرهاب» ونظمته رابطة العالم الإسلامي، حيث كان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، كلمة ألقاها مستشاره الأمير خالد الفيصل، وجاء فيها أن ما ترتكبه الجماعات الإرهابية من الجرائم المنكرة يسيء إلى الإسلام ويشحن الرأي العام العالمي لكراهية المسلمين، وهو ما يتلاقى مع كلام أوباما من «أن الإرهابيين لا يتحدثون باسم مليار مسلم وأن الغرب ليس في حرب مع الإسلام».
واضح أن «داعش» يريد أن يصور جرائمه وكأنها تصرف يمثل الإسلام، صحيح أنه استهدف الكثير من المسلمين، لكن التركيز هنا يبدو واضحًا على المسيحيين والأقليات، بهدف الإيحاء بأن هناك حربًا بين الإسلام والعالم، ولهذا يؤكّد خادم الحرمين الشريفين أن الإرهاب المتأسلم تغوّل بالقتل والغصب والنهب وهو ما يهدد الأمة الإسلامية قبل غيرها، ومن الضروري الإسراع في تشكيل منظومة إسلامية جماعية ووضع خطة استراتيجية فاعلة نلتزم بها جميعًا وتتصدى للإرهابيين، الذين يشوهون صورة الإسلام والمسلمين وتدرأ خطرهم الكبير وقد باتوا وبالاً على الإسلام والعالم.
أوباما يقول: إن الحرب على الإرهابيين يجب أن تخاض أيضًا في العقول والقلوب كما في الجو والبر، ويتلاقى هذا مع دعوة خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر «الإسلام ومحاربة الإرهاب»، إلى التصدي لآيديولوجيات المتطرفين وبناهم التحتية والدعاة والذين يجنّدون ويموّلون وينشرون الفكر المتطرف ويحضّون الناس على العنف.
تعمّد أوباما دعوة القادة المسلمين إلى فعل المزيد لإظهار أكاذيب فكرة «داعش» والإرهابيين القائلة بأن الغرب يشن حربًا على الإسلام، ورأى أن الأفلام ومحتوى الترويج الذي يبثه الإرهابيون على «تويتر» ووسائل الاتصال الاجتماعية بغية تجنيد الشباب تشكّل خطرًا داهمًا على المجتمعات الإسلامية التي يخاطبونها، ولهذا على هذه المجتمعات أن تبادر إلى حماية نفسها بنفسها.
وإذا كان أوباما قد أبلغ الدول الستين التي حضرت قمة واشنطن، أن العمليات العسكرية على غرار الغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي الذي شكّل في جدة وتقوده أميركا، على تنظيم «داعش» في سوريا والعراق لا يمكن أن تشكّل الرد الوحيد على العنف والتطرف، فإن ملامح الجواب على هذا الكلام بدت واضحة عبر الدعوات الصريحة والمتصاعدة منذ أشهر إلى تشكيل تحالف عربي تكون مهمته الرئيسية التصدي لكل التنظيمات الإرهابية.
الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يكن أول من دعا إلى تشكيل قوة عربية موحدة ضاربة لمحاربة الإرهاب، فمنذ سقوط الموصل وتوسّع «داعش» إلى الرقة في سوريا، ومع استشراء جرائم الإرهابيين المروّعة التي ترتكب باسم الإسلام والتي وصلت إلى مصر وليبيا ونيجيريا وفرنسا وكوبنهاغن وباتت تهدد أميركا وأوروبا، ارتفعت الدعوات إلى ضرورة قيام حملة عسكرية تتصدى للإرهابيين وتقضي عليهم، ولكن هذه الحملة يجب بالضرورة أن تكون مهمة الدول الإسلامية السنّية قبل غيرها لسببين:
أولا: لتخليص الإسلام المختطَف من أيدي الإرهابيين الذين يشوهون صورته ويضعونه في مواجهة العالم، تأسيسًا لصراع الحضارات، ولعل من الضروري هنا الانتباه إلى هدف «داعش» من التركيز الإعلامي على قتل المسيحيين الإيزيديين ثم ذبح الصحافيين الغربيين، ثم تصفية العمال المصريين الأقباط وأخيرًا وليس آخرًا اختطاف المسيحيين الآشوريين في سوريا.
ثانيًا: لمنع قيام الفتنة المذهبية الكبرى بين السنة والشيعة، ذلك أن الاعتماد على أميركا المنخرطة في سياسات ملتبسة مع إيران، والتي يبدو من خلال الرسائل المتبادلة بين أوباما والمرشد علي خامنئي، أنها لا تتردد في البحث عن صيغة تفضي إلى اتفاق نووي مع طهران في مقابل دور لها في محاربة «داعش»، سيعطي الإرهابيين ذخيرة دعائية كبيرة، عبر القول: إنها حرب تشنها أميركا وإيران ضد السنة، وهو ما يساعدهم في تعزيز عددهم بمزيد من المتطرفين!
إن الحديث عن إحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك المحنطة منذ خمسين عامًا يبدو مجرد سمك في بحر من الخلافات بين الدول العربية الغارقة إما في حروبها الداخلية وإما في الخلاف مع «الأشقاء الألداء»، ولهذا فإن الوضع الخطير الذي يتهدد المنطقة والدول الإسلامية والعلاقات الدولية لا يحتاج من أمين عام الجامعة العربية العودة مثلاً إلى عام 1965 تاريخ الاتفاقية الدفاعية التي لم ولن ترى النور.
لا يحتاج نبيل العربي للعودة حتى إلى السابع من سبتمبر (أيلول) الماضي، تاريخ صدور قرار الجامعة الذي دعا إلى «بحث سبل مواجهة التهديدات الإرهابية التي تتعرض لها كل الدول العربية، وضرورة التكاتف لمواجهتها على كل المستويات»، لأنه قبل أن تتوصل الجامعة العربية السعيدة إلى اتفاق على تفعيل هذا القرار يمكن أن يتغوّل «داعش» أكثر فأكثر.
وإذا كان العربي ينتظر أجوبة على رسائله إلى العواصم العربية بشأن تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك فأبشر، ولهذا لم يكن غريبًا أن تتصاعد الدعوات إلى تشكيل قوة ضاربة من مصر ودول الخليج العربي والأردن، تشكل نواة صلبة يمكن أن تتحول لقوات ردع عربية.
وعندما يقول الدكتور أنور قرقاش «إن في يدنا وحدنا القدرة على وقف الجنون والاستنزاف ولأننا نحن من يدفع الثمن الباهظ لخطاب الغلو والتكفير فإن خلاصنا يجب أن يكون على يدنا وأن يكون لنا اليد الطولى في التصدي للإرهابيين»، فذلك يعني أن الوضع لم يعد يتحمل انتظار الاستئناس في جامعة طالما أفشلتها سياسة الإجماع.