سعد المهدي
TT

لأن الكرة مستديرة.. فليس لها وجه معروف

قدم المنتخب الإماراتي ما بوسعه، لكن الرياح جرت بما لا يشتهي طموحه، الذي كان عالي السقف، وهو ما يجب فعلا أن يكون، فقد أسس فريقا كرويا يجمع بين العناصر الموهوبة، والمنسجمة والمتناغمة الإمكانات، المتكاملة المهام، عالية الانضباط والتركيز، وهذا ما يجب أن تكون عليه صناعة وتحضير أي فريق، وتبقى مسألة النتائج خاضعة لقانون التنافس في اللعبة.
لكن العراق وصل إلى المربع الذهبي لنهائيات كأس الأمم الآسيوية، وحقق ما وصل إليه المنتخب الإماراتي، وخرج من البطولة بالطريقة ذاتها التي خرج بها، دون أن يمتلك المعطيات ذاتها التي رجحت كفة الإمارات في الوصول إلى هذا الدور، بل والإطاحة بحامل اللقب، اليابان.
الإمارات خسرت أمام أستراليا 0 - 2، والعراق من كوريا الجنوبية بالنتيجة ذاتها، وسيلتقيان مجبرين للعب مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع غدا الجمعة، على استاد نيوكاسل. ودون شك، وعلى الرغم من حالة الإحباط إلى يعيشها الفريقان، اللذان كانا يمنيان النفس بلعب المباراة النهائية، فإن الميدالية البرونزية ستعني شيئا مهما أيضا؛ تاريخيا ونفسيا، خاصة من الجانب الإماراتي الذي يرى أنه كان الأكثر جهوزية وإعدادا.
سقوط اليابان هو ما يجب أن يفتح باب النقاش حول ما إذا كان ما يقال عنه صائبا، أم إنه سرى كالعدوى بين الفنيين والمحللين الكرويين، فلطالما أمطروا الأسماع، بسلامة وتفوق «الكومبيوتر» الياباني، وعددوا وفصلوا في نجاعة منهج تطوير الكرة اليابانية الإعجازي، ونحن هنا لا نقصد المخالفة، ولكن مجرد التنبيه إلى أن إطلاق الأحكام القاطعة في ما يخص الألعاب الرياضية التنافسية، خطأ ما لم تستدرك بالقول إن الأمر في النهاية مرتبط بالفعل البشري وإبداعه.
لعل الأهم في التجربة الإماراتية، ليس كيف صممت، أو حتى أدت بهذا الشكل الناجح قطعا، ولكن في كيف تعامل كل منهم حول التجربة ومعها؛ مسؤولين كانوا أم أعلاما وجماهير، حيث أرى أنه كان لهم دور لا يقل أبدا عما قدمه اللاعبون وجهازهم التدريبي، لأن منح الفرصة الكاملة للتجربة لكي تبدأ وتقوم وتكتمل وتنضج وتنفذ في ظروف حسنة قريبة للمثالية من حيث الاستقرار، صواب، والتدخل في ثناياها أو الحكم عليها قبل النضوج والإثمار، هو الداء الذي تعاني منه خطط مشاريع الإصلاح والتطوير، سواء على مستوى الإدارة والتنظيم، أو عند صناعة المنتج الرياضي.
مهدي علي الإماراتي، الذي انطلق بقطار هذه التجربة مدربا مطلق الصلاحيات، منذ أن نجح في قيادة عناصر المجموعة نفسها، تقريبا، التي تلعب في صفوف المنتخب الإماراتي اليوم، عام 2008 في بطولة كأس آسيا للشباب التي أقيمت في السعودية، ونجح في الحصول على الكأس، ليس أول مدرب محلي في الخليج أو المنطقة العربية يفعل ذلك، فقد سبقه كثيرون، وسيلحق بهم غيرهم، لكن ما وجده مهدي علي من اتحاد الكرة الإماراتي، ربما هو ما ينفرد به عنهم، فقد شرعن الاتحاد لوجوده، واستمراريته، وانعكس ذلك على تعامل الشارع الكروي والإعلامي معه بعد ذلك، وهو دور دعم أكبر وأهم، هذا ما يجب فعله، وخلافه خطأ وقع ويقع فيه كثير من الاتحادات ويجر بعده الإعلام والجماهير للتعامل السيئ مع مثل هذه التجارب حتى تنتهي نهاية واحدة بالتعثر أو الفشل.
نحتاج كثيرا إلى تغيير أو التفكير أكثر في ما نقوله عندما، مثلا، نحيل فرص النجاح فقط للتخطيط وتوفير القوانين والأنظمة المناسبة، والإمكانات المادية الوفيرة، فيما تخرج رائدته اليابان، من دور نصف النهائي الآسيوي، أو نجعل النجاح رهين قوة المنافسات في المسابقات المحلية، والاحتراف في الأندية الأوروبية، والإعداد المثالي، والجهاز التدريبي العالمي، لكن العراق يصل إلى الدور نصف النهائي دون ذلك، أو حين نقيسه بتاريخ المشاركات في المونديال، والحصول على البطولات القارية. ومنتخب كوريا الجنوبية الذي حصل على أولى وثانية بطولات كأس الأمم الآسيوية، والرابع عالميا في مونديال 2002، والأكثر مشاركة في المونديال، ما زال يبحث عن اللقب الآسيوي المفقود منذ 55 عاما.. أو نرى النجاح عن طريق التجنيس، وتوفير أفضل الظروف في التحضير والتحفيز، وتخرج قطر من المنافسات الآسيوية بلا أي نقطة.
الكرة مستديرة، وجهها غير معروف.. غير محدد.. لا أحد يعرفها جيدا، وهي في كل مرة بوجه، لكن ذلك لا يعني تركها تتدحرج في كل اتجاه، ونحن خلفها لا نلوي على شيء، وللسيطرة النسبية عليها (لأنه لا سيطرة مطلقة أبدا) يجب أن يكون هناك التخطيط، وسن القوانين والتشريعات المنظمة المناسبة، القابلة للتطبيق، بما يتفق وواقع ما عليه كل مجتمع، ووضع الحد الممكن الوصول إليه، بما يتوفر لذلك من قوة دفع تحقق ما تريده.. بالطبع ذلك لن تجده عند الحكائين ولا من يعيشون كل الوقت في عالم افتراضي.