علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

صينية البقلاوة

ربما رأيت كل ما رأيته فيما يرى النائم وربما فيما يرى الصاحي.
لقد تقدم الشبان وأنقذوا الوطن، بعدها تلفتوا حولهم فوجدوا الفرحة تملأ كل السرادقات، كان العجائز والكهول يحتفلون بالثورة ويحتفلون بالمناصب التي احتلوها بعد طرد الفلول منها. بدأ الأمر بتململ غير ملحوظ وتمتمات هامسة في دوائر الشباب.. نحن الذين استشهدنا دفاعا عن هذا الوطن وعن الثورة، واكتفى العجائز بعضويتهم في حزب الكنبة. لقد تركونا نحن نواجه كل الأخطار والآن استولوا على الحكم. استولوا على صينية البقلاوة المعروفة عالميا باسم مناصب الحكومة العليا.
غير أن هذه الهمسات والتمتمات ازدادت وضوحا وقوة مع مرور الأيام واتسعت الاتهامات إلى أن وصلت إلى دعوات صريحة وواضحة للتخلص من كل من تجاوز الخمسين من عمره. غير أن بعض الحكماء من الشبان مارسوا ضغوطا على زملائهم الأشد عداء للعجائز وأقنعوهم بأنه من الممكن قبول من يقترب من الستين في المناصب الرفيعة بشرط ألا يتقدم في السن أكثر من ذلك.
في الجانب المقابل لم يسكت العجائز، شنوا هجوما مضادا على الشبان. فتناثرت أقوال من نوع.. الشباب شباب القلب.. وهل قمتم حضراتكم بالثورة لكي تحكموا..؟.. عيب احترموا خبرتنا وحكمتنا..
وردت عليهم جبهة الشباب.. والنبي تسكتوا، ما هي خبرتكم دي وحكمتكم اللي ودتنا في داهية ودفعتنا للثورة.
غير أنه كان من السهل على المراقبين المحايدين أن يستنتجوا أن الشبان منتصرون على طول الخط وأنه ليس ببعيد أن يتمكنوا من منع العجائز من العمل بقوة القانون. وهذا ما حدث فعلا بعد انتخابات مجلس الشعب. تم اعتبار التقدم في السن بعد الخمسين عاما جريمة يعاقب صاحبها بالسجن أو بالغرامة. وبدأ العجائز في حملة مضادة يراسلون جماعات حقوق الإنسان في العالم كله لتعديل القانون بحيث يُكتفى بغرامة رمزية تعادل مخالفات المرور ويتم إلغاء عقوبة السجن عندما يثبت العجوز المتهم بأنه لم يتعمد أن يكون عجوزا.
غير أن خصومي قدموا بلاغات كثيرة ضدي لنيابة الشباب تتهمني بأنني تقدمت في العمر في اتجاه الشيخوخة عمدا مع سبق الإصرار والترصد. استغرق التحقيق معي نحو 10 ساعات إلى أن أغمي علي من فرط الإجهاد. ولكن من حسن حظي أن وكيل النيابة كان متعاطفا مع العجائز غير أنه لم يكن يظهر ذلك علنا. بعد لحظات حضر طبيب وأفاقني ببعض الأدوية المنشطة. أسعدني أن النيابة كانت مستعدة لكل الاحتمالات. أخبرني وكيل النيابة أنهم أنشأوا قسما لإفاقة المتهمين نظرا لأنهم كانوا يفقدون وعيهم أثناء التحقيق.
بنيت دفاعي على عدة نقاط منها.. نعم لقد تقدمت في السن إلى أن قاربت على الثمانين عاما، وأنا أعتذر عن ذلك غير أنني يعلم الله لم أتعمد ذلك. لقد حاولت بكل الطرق أن أظل شابا غير أني فشلت. فوجئت بشهود الإثبات يقسمون أنهم رأوني وأنا أتقدم في العمر عمدا مع سبق الإصرار والترصد.. هذا هو ما أقسموا عليه أمام وكيل النيابة وأمام القاضي. وفى نهاية الأمر دفعت الغرامة التي صدر بها الحكم علي.