مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

وانتهى المشوار كله

أين كنا وإلى أين صرنا؟
نحن في آخر عام 2014، تذكروا - لأننا كسالى الذاكرة - كيف كانت الأمور في ديار العرب في نهايات عام 2010 وما تلاه، ثلاث حجج، من مواسم السواد والفوضى، وقد سماها بعضهم، طيبة أو خديعة، الربيع العربي.
كان البعض يراهن، بتفكير رغبوي، على أن الشعوب والدول والأوضاع والخيال الحاكم على النفوس، تصلح لقيام عقد ديمقراطي على غرار ديمقراطية وستمنستر البريطانية، وهللوا وصفقوا للشباب الجامح «اللي فتّح في جناين مصر»، وسخروا من الواقعيين الذين كانوا يقولون: ليس بعد، لسنا مستعدين لهذه الثقافة السياسية والاجتماعية أسلوبا للحكم والعلاقة بالحكم.
جفّ ضرع السماء، وطارت أوراق الربيع مصفرّة في خريف الفوضى والطائفية والإرهاب الديني الذي كان سطوعه المرعش للنفوس والمرمش للعيون في صورة جزاري «داعش» وبأيمانهم المُدي والخناجر، يذبحون بها صورة الإسلام، قبل أن يذبحوا الضحايا المساكين، ويسبون النساء، في غبطة حيوانية، كما مع مسكينات الإيزيديين في الموصل الحدباء وريفها وجبلها.
لا ربيع إذن، بل كانت فرصة للفوضى، وخروج العفاريت والغيلان المقيدة في كهوف الأمن أو الخوف، اللائذة في زواريب الأحياء العشوائية، فمنحهم وصول رفاق الفكرة وأبناء النسيج الواحد إلى سدة الحكم، عبر حصان طروادة الديمقراطية، دفعة وانتعاشا، فخرج لنا محمد الظواهري، وهو كأخيه أيمن فكرا ومرضا، في مقدم الصفوف والمنظرين أيام «الأخ» مرسي، وحسبك هذا برهانا على أي شر تحررت طاقته بفعل هذه الفوضى الربيعية الممحلة!
بحساب سريع، مصر أفلحت في الخروج من شبكة الإخوان، وأشباههم، بعدما تبين لكل ذي عينين أي مصير كان شيوخ الجماعة يريدون سَوق مصر إليه، والأخطر أي هوية كانوا يريدون مسخها، وأي فتن كان يريدون بذرها بين المصريين، وفي الإقليم.
وفي ليبيا نحن نشهد حربا أهلية بين الإخوان وأتباعهم من طرف، وأنصار الدولة الليبية من طرف.
في اليمن خسر حزب الإصلاح، بأجنحته العسكرية والمالية والمدنية والعشائرية، بفعل جناح موالٍ لإيران هو الجماعة الحوثية، وضاع اليمن بين «حانا الإخوان ومانا إيران».
تونس، نجت من الأمر بأهون الشرور، رغم الرعب الذي مثّله كون أكثر مقاتلي «داعش» السورية في فترة ما كان من التوانسة.
بكلمة، أخفق المشروع الذي كان يتمثل بتمكين الإسلام «المعتدل»، أي جماعة الإخوان، من حكم دول الإقليم، أو أغلبها، عبر تسويق النموذج التركي الإردوغاني، بوصفه المآل الذي سيكون عليه الحال في مصر وتونس وليبيا واليمن، وربما الأردن والجزائر، ومن يدري؟ ربما المغرب ودول الخليج، فقد حذرنا الشيخ راشد الغنوشي في بداية ربيع الإخوان أن دول الخليج تنظر دورها في حفلة الربيع الإخواني. حركة النهضة الآن تلعق جراحها في تونس، فاعتبروا يا أولي الأبصار..
الدول التي كانت تشترك في هذه الرؤية في تمكين الإخوان مشغولة الآن في الحد من الخسائر، والهدوء، والتصالح مع الجيران.. وهذا ليس سيئا، لكن اليقظة ليست سيئة أيضا.
[email protected]