حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

«داعش» تخدم إسرائيل!

مع تفاقم الأحداث وزيادة غرابتها وظهور أبطال جدد وأسماء غريبة على الساحة، يجب ألا ينسينا هذا الكم المهول من الأخبار السيئة الأهم وهو الاحتلال الإسرائيلي الغاشم لفلسطين. تابعت مؤخرا بفضول واهتمام التسريبات التي تداولتها أعداد محدودة جدا من الصحافة الغربية عن وقائع حصلت خلال المعارك الحربية الطاحنة التي حصلت في سنة 1970 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الأردنية والتي تسببت في أحداث دامية وفتنة عظيمة، وبينما كانت الفصائل الفلسطينية تحاول عمليا السيطرة على الحكم وإحداث واقع جديد في الأردن، استغل نظام حافظ الأسد هذا الوضع وتقدم بفصائله القتالية من جيشه باتجاه الحدود الأردنية للانقضاض على النظام الحاكم كعادة هذا النظام، وهو الذي سبق له أن اعتدى على جيرانه في كل من العراق ولبنان في ظروف مختلفة وبقيت إسرائيل دوما في أمان منه رغم كونها تحتل هضبة الجولان منذ زمن بعيد. وجهت له وقتها إسرائيل إنذارا شديد اللهجة في حال تدخله في الصراع الدائر وهددته عسكريا، وطبعا كعادة هذا النظام لم يستطع الرد وانصاع بشكل تام للتهديد الإسرائيلي وتراجع فورا إلى قواعده في الداخل السوري.
بعد ذلك حسم الجيش الأردني الوضع عسكريا وتم حل مشكلة الفصائل الفلسطينية المسلحة في الأردن، وبعدها حصل جدل «استراتيجي» هائل في داخل أروقة صناعة القرار السياسي والعسكري في إسرائيل نفسها وكان السؤال المحوري والأهم والأخطر هو: هل كان قرار إسرائيل وقتها هو القرار الأنسب؟ وتحديدا ماذا لو «مكنت» إسرائيل الفلسطينيين من «الانتصار» على النظام الأردني و«السماح» للأسد بالدخول للأراضي الأردنية وتغيير الأمر على أرض الواقع بشكل عملي حقيقي وإجبار فلسطينيي الداخل «بالإكراه والطرد» على الانضمام للأراضي الأردنية كان سيكون ذلك بداية حقيقية لنواة الوطن البديل للفلسطينيين ويتم الخلاص من «مطالبة» الفلسطينيين المستمرة بدولة لهم في حدود «مختلف» عليها مع إسرائيل.
من الواضح من التعليقات المتتالية من مراكز صناعة القرار المساند في إسرائيل أن القرار الإسرائيلي وقتها كان خطأ استراتيجيا فادحا كلف إسرائيل الكثير من «التنازلات» السياسية الباهظة الثمن التي لا تزال إسرائيل تحصدها حتى اليوم وذلك بحسب ما أقرت به الدراسات والتحليلات الصادرة من تلك المراكز مؤخرا. الأمر المهم والمدهش أن هذه المراكز ترى «فرصة» جديدة تتكون أمام أعينها هذه الأيام؛ فهي ترى حراك الفرقة الإرهابية «داعش» التي وعدت أنها «باقية وتتمدد» بأنها عاجلا أو آجلا ستصل إلى الأردن حيث يوجد لديها في بعض المناطق تعاطف عظيم بل وأعضاء مقاتلون من بعض مدنه، وأن هذه المواجهة متى ما جرت (والاعتقاد لدى إسرائيل بأن هذه المواجهة آتية بشكل مؤكد) لا بد أن يكون لإسرائيل رد جاهز وحراك مختلف يخدم الأهداف التي لم تتم في الفرصة «السابقة».
إسرائيل تنظر لـ«داعش» و«حزب الله» و«القاعدة» على أنها جميعا فرق إرهابية تخدم مخطط إسرائيل في البقاء والتوسع لأن هذه المجاميع الإرهابية لا هم لها سوى قتل المسلم بشكل رئيس بحسب الأعداد الحقيقية لضحاياهم وهو يؤكد غموض نشأة كافة هذه الجماعات الثلاث لأن المستفيد الحقيقي من هذه الجماعات وتوسعها وكافة خطابها الفكري المتشدد والمتطرف والإرهابي يبقى دوما إسرائيل في المقام الأول كما يتضح.
خرائط الشرق الأوسط مرشحة للتوسع والتبدل والتغير، وإذا كانت قديما تغير الخرائط بأدوات الدول الاستعمارية فاليوم تتغير عبر مجاميع إرهابية تحركها أجهزة غامضة ولكنها استعمارية في نتاجها وتصرفها.