علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

ما وراء المعونة الهولندية

بدافع من العطف والحنان الدولي، أو لأسباب سياسية ليست واضحة لنا، تبرعت هولندا بمبلغ 450 مليون دولار أميركي لجامعة الإسكندرية لبناء اثنين من المستشفيات مجهزين تجهيزا عصريا طبقا لأحدث ما وصل إليه العصر من كفاءة طبية. وحدث ذلك بالفعل، تم بناء المستشفيين بهذه المواصفات الرفيعة، وهو ما يجعلنا نظن أن الحكومة الهولندية أشرفت بنفسها على البناء والتجهيزات الطبية. كان الجانب المصري مسؤولا فقط عن إمداد هذين الصرحين الطبيين بالأطباء والمرضى، وكلاهما متوفر في الأسواق المصرية.
وبالفعل أعلنت الجامعة عن حاجتها إلى مائة طبيب فتقدم لها المئات، اختارت منهم 80 طبيبا فقط وأرسلت إليهم خطابات تعلمهم فيها بأنه قد وقع عليهم الاختيار للعمل في المستشفيين. ومرت الأيام بلا جديد، فشل الأطباء المتقدمون في معرفة لماذا توقف كل شيء فجأة. وحدثت المفاجأة، لقد افتتح رئيس وزراء مصر السيد إبراهيم محلب هذا المشروع الطبي الذي يدعو للفخر. أما الأمر الغريب حقا فهو أن رئيس الوزراء أصدر قرارا بإغلاق المستشفيين بعد أيام قليلة من افتتاحهما، لماذا..؟ هذا ما ستعرفه إذا كنت ستطيق معي صبرا.
شاهد الناس في طول البلاد وعرضها في مصر وهولندا طبعا رئيس الوزراء وهو يفتتح المشروع، بما في ذلك بالطبع تلك المشاهد المعروفة عن المرضى السعداء والأطباء المعالجين الأكفاء، غير أننا نعيش عصرا لا خفاء فيه ولا أسرار، اتضح أنها تمثيلية.. الأطباء تم انتدابهم من مستشفيات أخرى لمدة أسبوع، أما المرضى فقد «استلفوهم» من مستشفيات أخرى. ولا بأس بإضافة عدد كبير من الكومبارس يلعبون دور الممرضات والممرضين والحكيمات. ثم انصرف الجميع إلى بيوتهم بعد انتهاء زيارة رئيس الوزراء. ولكن يبدو أن المخابرات الطبية الهولندية أبلغت حكومتها بما حدث، وبالتأكيد حدثت مكالمة تليفونية بين الحكومتين تم على أثرها صدور القرار بإغلاق المشروع وإجراء التحقيق.
مرجعيتي في هذه الحكاية طبيب شاب ممن تم اختيارهم للعمل في المستشفيين ثم اتضح له ولزملائه أنهم تعرضوا لعملية تشبه النصب إلى حد بعيد، ولذلك أخذوا في هدوء ودأب يجمعون المستندات الدالة على حدوث هذه الواقعة المشينة بكل تفاصيلها، هذا هو ما يميز هذا الجيل؛ الاهتمام بالأدلة والأسانيد لإحكام الحصار حول من يلعبون بهم وبمصائرهم. كانت نقطة هجوم هذا الشاب هي أن يتقدم بكل المستندات التي توضح حكايته الغريبة إلى برنامج «مانشيت» الذي يقدمه جابر القرموطي في محطة «On tv». جابر معروف عنه أنه يثور بسرعة، غير أنه هذه المرة بعد سماعه بالحكاية انتابته نوبة ضحك عجز عن التحكم فيها فاضطر مخرج البرنامج إلى الخروج في فاصل.
وعلى مقهى عم بيومي كان يجلس قريبا منا مثقف فضائي، قال معلقا بعد مشاهدة البرنامج: أعترف أن المسؤولين في جامعة الإسكندرية أخطأوا.. ولكن السؤال هو: لماذا تبرعت هولندا لنا بهذا المبلغ الكبير لبناء هذين المستشفيين؟ لقد فعلت ذلك لكي تكشفنا أمام العالم وتثبت لبقية الدول المُحسِنة أننا جماعة من النصابين المحتالين.. وأننا لسنا جادين.. هل عرفتم الآن لماذا يساعدنا الغرب؟ كل هذه المنح والمساعدات، وخصوصا الأميركية منها، الهدف منها هو تشويه صورتنا والإساءة إلى سمعتنا.. كل معونات الغرب ومساعداته الغرض منها هو أن نروح في ستين داهية.. هات شيشة يا عم بيومي.