نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

5 مليارات ومبادرة جديدة

مؤتمر إعادة إعمار غزة، شكّل مظاهرة سياسية عنوانها «التوق العالمي الجماعي لرؤية حل للقضية الفلسطينية» بعد أن بدا مستحيلا تحت وطأة القضايا المنافسة التي يشتعل العالم بها، وخصوصا الشرق الأوسط.
والسهولة اللافتة التي تميزت بها عملية جمع ما يزيد عن 5 مليارات دولار، وهو مبلغ أكبر مما طلب الفلسطينيون وتمنوا، يؤكد أن العالم على استعداد لأن يدفع أضعاف أضعاف هذا المبلغ شريطة ضمان أمرين:
الأول: الهدوء طويل الأمد على جبهة فلسطين – إسرائيل.
الثاني: عودة لمفاوضات تفضي إلى حل، بعيدا عن الأمم المتحدة، وتحت يد وزير الخارجية الأميركي الذي ما شارك في مؤتمر إعادة أعمار غزة إلا من أجل هذا الهدف.
وما أن انفض المؤتمر، وبدا الحوار مع إسرائيل حول حجم وكيفية التسهيلات التي لا بد من تقديمها في سياق إعادة الإعمار، حتى ارتفع الحديث مجددا عن أفكار أميركية وضعت لاستئناف المفاوضات.. وقابلها حديث إسرائيلي عن أن نتنياهو تحفظ على هذه الأفكار، وطالب حال استئناف المفاوضات أن يشارك العرب فيها.
أن يتقدم السيد كيري بمبادرة ولو على هيئة أفكار عامة تحت صياغات جديدة، فهذا أمر كان متوقعا بفعل المعارضة الأميركية للتوجه الفلسطيني لمجلس الأمن، ولكي لا تلام على فشلها في مفاوضات الأشهر الـ9، وحرمانها الفلسطينيين من تحريك قضيتهم على مستوى آخر، إضافة إلى أنها تشعر بحاجتها إلى تقديم بديل ولو تكتيكي، في الوقت الذي تواصل فيه حشد العالم في الحرب الكونية الثالثة، ولكن على «داعش» هذه المرة.
إلا أن اللافت في كل ما قيل هو الكلام الإسرائيلي عن أهمية مشاركة العرب في المفاوضات المحتملة، وهو ما كان الإسرائيليون يرفضونه من حيث المبدأ، بل إنهم يرفضون حتى المشاركة الأميركية والأوروبية، فما الذي يقصده الإسرائيليون بالمشاركة العربية؟ وأي نوع من المشاركة يقبلون؟ ووفق أي آليات سيعملون؟
عندما يقترح نتنياهو أي صيغة، فالحذر منها لا بد أن يكون بديهيا، ووفق قاموس مصطلحات ونهج نتنياهو، فإن الرجل لا يقترح أمرا إلا للالتفاف على أمر أهم، وفيما يخص المشاركة العربية التي يتحدث عنها، فليس مستبعدا أن يكون رهانه الأول هو رفض العرب الانخراط في مفاوضات قد تحدث ارتدادات سلبية في دولهم ولدى شعوبهم، وهذا يكفيه لتفادي الإحراج الأميركي واللوم على إضاعة فرصة جدية لتحقيق السلام.
أما رهانه الثاني، فهو فتح حوار سياسي مع أطراف عربية ترفض الحوار أساسا معه، ولعلنا ما زلنا نذكر الشرط الإسرائيلي، الذي وضع لمجرد النظر في المبادرة العربية للسلام، وهو أن يذهب وزير الخارجية السعودي إلى إسرائيل لشرح المبادرة أمام الكنيست!!
ولأننا حيال لعبة تذاكٍ وتحايلات، فإن بوسع العرب اللعب مع نتنياهو والأميركيين، بوسيلة مختلفة عما كان بالأمس!!
فليتقدم نتنياهو أولا بما عنده، وليودع عند الوسطاء الأميركيين استعداداته ليس لمجرد الحوار والتفاوض، وإنما لما هو أكثر تحديدا أو تفصيلا من ذلك، فإن تطابقت استعداداته مع أسس المبادرة العربية للسلام، التي تضمن حلا مقنعا للفلسطينيين والعرب، فلا غضاضة من خوض تجربة على هذا الأساس.. وإن ظل مصمما على وضع العربة أمام الحصان؛ أي ترويض العرب على الدخول مغمضي الأعين إلى دائرة اللاجدوى، التي رسمها لكل الحوارات والمفاوضات.. فهذا أمر لا يستحق مجرد التفكير فيه.
إن الأميركيين الذين يقودون الاحتشاد الدولي، الذي رغم كل الملاحظات عليه، فإنه أكثر فاعلية من جهدهم لحل النزاع العربي - الإسرائيلي، ينبغي أن يغادروا منطقة التكيف مع المتطلبات الإسرائيلية الباذخة التي لا نهاية لها، وأن يحاولوا ولو لمرة واحدة تجربة الضغط الفعال على إسرائيل، ولو تحت شعار «إنقاذها من نفسها».