عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

«داعش» بين «الوهابية» و«الإخوان المسلمين»

تشهد الساحة الثقافية والسياسية في الخليج والعالم العربي والعالم أجمع جدلاً مستحقاً حول تنظيم «داعش» الإرهابي المتوحش، ويتساءل كثيرون من أين جاءنا «داعش»؟ ما مرجعيته الدينية؟ وما مصادره فكرياً وسياسياً وحركياً؟
مع بناء التحالف الدولي ضد «داعش» والذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومعهما أربعون دولةً تصبح هذه الأسئلة مستحقة وجديرة بالإجابة المتأنية التي تعتمد على العلم لا العاطفة، لأن كثيراً مما يطرح اليوم يراد به إدانة السعودية عبر الوهابية وتبرئة جماعة الإخوان المسلمين من أي علاقة مع «داعش» من منطلقات متعددة منها الإخواني والقومي واليساري وغيرها.
بدايةً ومع الخلاف حول التسمية حيث أقرها بعض علمائها ورفضها البعض الآخر؛ فإن الوهابية دعوة وليست دولة، وخطاب ديني وليست تنظيما، والوهابية ليست واحدة، ويمكن تقسيمها إجمالا لمرحلتين؛ الأولى: الوهابية القديمة، التي تنتمي لقرون متطاولة في تاريخ البشرية شملت أديانا وطوائف ومذاهب وأفكارا، وهي لا تختلف عن ذلك التاريخ الطويل في شيء إلا في الفروق الطبيعية التي تفرضها متغيرات الزمان والمكان. وغالب النقد الذي يطرح اليوم تجاه الوهابية إنما يمتح من خطاب هذه المرحلة. الثانية: الوهابية الثانية، وهي الوهابية في العصر الحديث أو الوهابية ما بعد الملك عبد العزيز وهي وهابية جرى تطويرها بحكم التطور الطبيعي من خطاب دعوة لخطاب دولة وبحكم رؤية الملك عبد العزيز المتقدمة آنذاك لدور الفقهاء ورجال الدين في الدولة وعلاقتهم بالسياسة، والنقولات التي تؤكد هذا كثيرة وسبق نشرها في هذه الصحيفة.
كانت الوهابية تقاتل كجيش نظامي للدولة لا كتنظيم سري، ومنذ معركة السبلة 1929 انتهت علاقة الوهابية بالعنف بعد قضاء الملك عبد العزيز على تمرد جيش «إخوان من طاع الله»، وللمفارقة وقبل ذلك بعام واحد تمّ إنشاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وبالتزامن مع ابتعاد الوهابية عن العنف كان صعود العنف الإخواني.
ولفض الاشتباك بين الوهابية والسلفية فكل وهابي سلفي وليس كل سلفي وهابياً، وقد تبنى الإخوان المسلمون العنف الحديث الذي يقوم على تنظيمات سرية تمارس عملياتها عبر الغدر والتفجير والاغتيال والاختباء وسط المدنيين تماما كما ستفعل «داعش» قريبا.
لتقريب الصورة أكثر يمكن أخذ عدة عناصر داعشية والبحث عن مصدرها لدى الوهابية وجماعة الإخوان المسلمين كالتالي:
أولاً: الخلافة، حاربت الوهابية الخلافة العثمانية ورفضتها على طول الخط، بينما أقامت جماعة الإخوان المسلمين أصل فكرتها ومشروعيتها على إعادة الخلافة الإسلامية ولذلك ارتبك الإخوان حين أعلنت «داعش» قائدها البغدادي خليفة للمسلمين لأنه سرق فكرتهم فقط.
ثانياً: الموقف من السلطة، حيث كانت الوهابية تقر بمشروعية الدولة وتعمل تحتها فقهيا ودعويا، بينما يقوم فكر الإخوان على عدم مشروعية كل الدول التي عملوا فيها، وكانوا يسعون بشكل دائم لهدم تلك الدول والاستحواذ على السلطة فيها، ولهم أفكار رئيسة في هذا منها ما ذكره البنا عن «أستاذية العالم» وما ذكره محمود عبد الحليم من أن الإخوان «يقيمون الدول ويسقطونها» وما ذكره خيرت الشاطر من «سيادة العالم».
ثالثاً: العمليات الانتحارية، حيث رفضها غالب فقهاء الوهابية بينما طار بها فقهاء الإخوان وأصدروا فيها الفتاوى والخطب والمقالات.
رابعاً: تنظيمات العنف السرية. لم تنشئ الوهابية تنظيما سريا واحدا، بينما فرخت جماعة الإخوان كل تنظيمات العنف الديني، بدءاً من إنشاء البنا للتنظيم الخاص ومحاولة سيد قطب لهدم القاهرة بالتفجيرات عبر تنظيم 1965 مروراً بتنظيمات العنف في السبعينات، «الفنية العسكرية» و«جماعة الجهاد» و«التكفير والهجرة»، وكلها ذات منبع إخواني صرف وليس لها أي علاقة بالوهابية، وإن رجع عبد السلام فرج إلى مصدر سلفي قديم هو فتوى ابن تيمية في الطائفة الممتنعة.
حتى «حركة جهيمان» في السياق السعودي نهاية السبعينات كانت تنتمي لهذا السياق، فهي تأثرت بعدد ممن التحق بها من المنتمين لجماعة تلميذ سيد قطب، شكري مصطفى، «التكفير والهجرة» كعبد الله المصري وأسامة القوصي وغيرهما، وقد كتب جهيمان نقداً صارماً لأصول الوهابية كتوحيد الربوبية ونحوه. وقد غرق في تنزيل أحاديث آخر الزمان على عصره وهو أمر استنكره فقهاء الوهابية من قبل كسعد بن عتيق.
«الأفغان العرب» و«تنظيم القاعدة» كانوا في الأعم الأغلب من الإخوان المسلمين كعبد الله عزام الإخواني العتيد وأسامة بن لادن الإخواني المعروف، وكذلك جماعات التكفير المصرية التي هي نتاج إخواني صرف، وأخيرا الجماعة الإسلامية في التسعينات في مصر وهي ثمرة إخوانية وقد عادت وتحالفت مع الإخوان بعد ما كان يعرف بالربيع العربي.
قد يجادل البعض بأن الأفكار الوهابية لها تأثير في تنظيم القاعدة وتنظيم «داعش»، وهذا صحيح بمعنى ما، ولكن يجب أن نستحضر أنه بعد قدوم الإخوان للسعودية كان هناك تسلف إخواني قليل وتأخون سلفي كثير، وقد ذكر بعضاً من التسلف الإخواني علي الطنطاوي ومحمد مجذوب، أما التأخون السلفي فقد خرجت منه تيارات وجماعات ورموز منها السرورية والقطبية وغيرهما.
لقد دخل الإخوان في كثير من مؤسسات الدولة كالتعليم العام والتعليم العالي والمؤسسات الإسلامية التي ترعاها السعودية والجمعيات الخيرية، وقد قام الإخوان المسلمون بعملية كبرى لإعادة صياغة مفاهيم وهابية وحشوها بمعان إخوانية وأوضح الأمثلة على ذلك مفهوم «التوحيد» الذي ألف فيه محمد قطب كتاباً كان يدرس في المدارس وحشا المفهوم بكل مفاهيم الإخوان، وكذلك مفهوم «الولاء والبراء» الذي كتب عنه محمد سعيد القحطاني رسالة دكتوراه تحت إشراف محمد قطب ومرروا من خلاله «حاكمية» سيد قطب و«جاهليته».
أيضا فإن دعاية التجنيد الداعشية تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين لا للوهابية، ومن ذلك: الكرامات، لم تستخدمها الوهابية وركزت عليها جماعة الإخوان وهي ذات مصدر سلفي قديم في كتب التراجم كان يستخدم للبركة بعد الوفاة وقام الإخوان بتوظيفها سياسيا، وقد توسع الإخوان فيها عبر حكاياتهم عن السجون وتحدثوا عن معجزات في الصبر لم تحدث للأنبياء، ولحقهم في ذلك الإخواني عبد الله عزام قائد الأفغان العرب واستمر في تبني نفس الفكرة تنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش».
كانت مفردات تلك الدعاية تتحدث عن «ابتسامة الميت» و«رائحة المسك» و«النور في القبور» و«فعل المعجزات» كفرد يهزم فرقة عسكريةً لوحده!
ومن ذلك التركيز على أضغاث الأحلام والإكثار من تنزيل أحاديث آخر الزمان على الواقع ونحوها من الخرافات، وكذلك اعتماد «الحور العين» كآلية تجنيد تعتمد على الغريزة وكل هذا غير موجود لدى الوهابية وهو كثير لدى جماعة الإخوان المسلمين.
هذا بالإضافة لاستخدام «الأناشيد الإسلامية» التي ترفضها الوهابية وتتبناه جماعة الإخوان، والأناشيد هي نفسها تقريباً بين «داعش» و«الإخوان».
أخيراً، هل يعني هذا السياق تقديس الوهابية؟ أو نفي نقدها؟ أبداً، فالوهابية مثلها مثل المدارس الفقهية والفكرية والأخلاقية في التراث الإسلامي لها ما لها وعليها ما عليها، وهي بحاجة لنقلة نوعية على مستوى الخطاب تكون امتدادا للنقلة التي حدثت في وقت الملك عبد العزيز. وللحديث بقية.
[email protected]