علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

اللاجئ ودولة الملجأ

أعيد تذكيرك بأن الدولة العصرية بكل تعقيداتها الإدارية والسياسية، هي أهم منتجات الحضارة الإنسانية. إنها المنتج الذي وصلت إليه البشرية بعد آلاف السنين من أشكال الحكم المختلفة، ومن التجربة والخطأ إلى أن نعمنا جميعا بسلامة الوصول إلى الدولة الحديثة وأهم ما يميزها أنها تعمل عند مواطنيها وتسهر على حمايتهم وراحتهم ورفاهيتهم. ولما كان الالتزام بالحضارة يتطلب التنازل عن جزء كبير من مبدأ اللذة وخاصة عند طبقة الحكام، لذلك كان من الصعب بل من الخطر أحيانا أن يتمسك رجل الدولة بحقه في ما يحقق له اللذة على حساب تحضر الدولة، يعني ليس من حقه أن يشتم سلطة أخرى أو دولة أخرى لأنه يشعر بالغيظ من حكامها، ليس من حقه أيضا أن يتجاهل استحقاقات الحضارة التي تلخصها التزامات دولته. على ضوء استحقاقات الحضارة إذًا وليس على ضوء السياسة، فكّر معي يا أبو طارق في حكاية قطر وجماعة الإخوان الباقين في قطر والخارجين منها.. لست أصدق أن قطر استجابت لضغوط الدول العربية وقامت بطرد السبعة، الضغوط العربية هادئة جدا بل وصامتة، فالعرب لا يحبون الشوشرة والأصوات العالية، يعني كان من الممكن أن تقاوم قطر هذه الضغوط على الأقل لستة شهور أخرى. لماذا طردتهم بتلك الطريقة التي يفهم منها ان البقية تأتي؟
كان أبو طارق قد انتهى من شرب الشاي فقال: الأمر الذي لم تذكره هو ان الحضارة قادرة أيضا على معاقبة من يخرجون عليها، لقد أخطأ رجال السياسة في قطر عندما فهموا اللجوء السياسي بشكل خاطئ، هو لجوء سياسي لجماعة الإخوان إلى قطر بالتأكيد ولا يمكن إطلاق صفة أخرى عليه، لقد أخطأت السلطة في قطر بلد الملجأ كما أخطأت جماعة الإخوان كلاجئين سياسيين.. أبسط صور اللجوء هو أنا وأنت على هذا المقهى.. فجأة قال أبو طارق مناديا: يا عم بيومي.. تعالى من فضلك..
عم بيومي هو صاحب المقهى، سأله أبو طارق: الزبون اللاجئ لمقهاك الهادئ.. ماذا تطلب منه..؟
قال عم بيومي: أن يجلس في أدبه ويسلك سلوكا محترما.. ليس من حقه أن يتكلم بصوت مزعج، وطبعا ليس من حقه أن يشتم زبائن المقاهي الأخرى المجاورة.. طبعا كل إنسان حر في الإساءة إلى نفسه وإلى سمعته.. ولكن ليس من حقه الإساءة إلى المكان.
قال أبو طارق: شكرا يا عم بيومي.. ثم التفت إليّ وقال، أما سؤالك لماذا أخرجت قطر قيادات الجماعة السبعة بهذه الطريقة المهينة فأنا أعتقد أن أجهزة الأمن القطرية هي التي نبهت السلطة إلى ما يمكن أن تسببه هذه الجماعة من أخطار على النظام نفسه. بالتأكيد هي التي دفعت النظام في قطر إلى إعادة النظر في موقفه من الجماعة ومن حكاية اللجوء نفسها.. ليس من حق اللاجئ السياسي طبقا لقواعد الحضارة ان يعمل بالسياسة بأي شكل من الأشكال.. ليس من حق دولة الملجأ أن تشركه في معاركها غير المفهومة بالحق أحيانا وبالباطل في كل الأحايين، هذا ليس لجوءا، هذا شيء آخر أعف عن ذكره.. باختصار يا أبو علوة.. كلاهما أخطأ في حق الحضارة وكلاهما سيدفع ثمن ذلك.. تاخد قهوة..؟.. والا اسمع ..الراجل بتاع السميط ده عنده سميط وجبنة حلوين قوي.. تاكل؟