نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

حكاية فك الارتباط بين إخوان مصر وحماس

إخوان مصر يأكلون الحصرم، وحماس ومعها الغزيون يضرسون.
المفارقة في الأمر، أن الشقيقين العقائديين والتنظيميين، يدفعان ثمن ما يفعلون وما لا يفعلون، ولا أحد منهما قادر على تقديم مساعدة فعالة للآخر.. «إنه مغرم بلا مغنم».
وإذا كان إخوان مصر.. ومعهم أشقاؤهم في غزة ينكرون علاقتهم بالأعمال الإرهابية التي تنفذ على نحو يكاد يكون يوميا في المدن المصرية، إلا أنهم لا يستطيعون نفي علاقتهم المباشرة بالمناخ الذي تتم هذه الأعمال في حاضنته، سواء من خلال التحريض الذي يستمر بلا هوادة، أو من خلال التظاهرات التي بلغت في «لا سلميتها» حد إحراق مبان وكليات، وما أمكن من السيارات الحكومية والمنشآت الأمنية.
إن بحوزة النظام الجديد في مصر، الكثير من القرائن التي تؤكد ضلوع الإخوان في أعمال عنف واضحة، إلا أن القرينة الأهم تجسدت في ذلك الإعلان الغشيم والسقيم، الذي أطلقه قادة الإخوان أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة، حين ربطوا أعمال العنف في سيناء بما حل بهم في القاهرة، وأعلنوا بصريح العبارة.. أنه في اللحظة التي يتراجع فيها «الانقلابيون» عن انقلابهم، فإن كل هذه الأعمال سوف تتوقف.
إذن فإن الواقع الموضوعي الناشئ الآن في كل مصر، وأداء الإخوان التظاهري والإعلامي خلق وضعا يستحيل معه التنصل مما يحدث سواء كانوا هم صناعه أم لا.
وفي غزة التي ليس لها من باب على العالم إلا الباب المصري، فإن مصيبة حماس تبدو أعظم وأعقد، إذ تنحشر داخل مثلث ضيق حاد الأضلاع، وذلك في وقت ابتعد فيه حلفاؤها الأساسيون.
الضلع الأول هو الضغط الإسرائيلي، الذي طور تعامله مع حماس، بحيث لو ألقى أي فصيل آخر حجرا باتجاهها، فإن الـF16 تبادر فورا إلى الرد، وليس صدفة أن تختار إسرائيل أهدافا حمساوية خالصة لضربها، مفسرة ذلك بأنه ما دامت حماس تحكم غزة، فهي المسؤولة عن كل شيء، ويتعين عليها أن تدفع الثمن.
يضاف إلى ذلك، أن جنرالات إسرائيل يتفننون في حربهم النفسية ضد القطاع، تارة بإغلاق المعابر، وتارة أخرى بالإعلان عن أن ضرب غزة بصورة شاملة هي مسألة وقت، ودائما يطلبون من حماس وليس من سواها، أن تبذل جهودا مضاعفة لتبريد الحدود معها إلى درجة التجمد.
أما الضلع الثاني فهو مصر، التي لا يستفز قادتها قول أكثر من كلمة «الانقلاب»، وحماس تعتمد هذه الكلمة وأكثر منها في كل وسائل إعلامها، غير متبصرة لحدة الاستقطاب الجديد في مصر، الذي صنفت فيه القيادة الحالية حركة حماس، كعدو لا يقل في أولويات مواجهته عن إخوان مصر.
أما الضلع الثالث فهو المواطنون الغزيون، الذين يطلب منهم صباح مساء، أن يحتفلوا بانتصارات حماس في أمر المقاومة والممانعة، ويطلب منهم تحمل ما لا يتحمله بشر من العذاب والتعب والنزف، في سياق مقاومة مجيدة لا تمارس، وفي حصارات جعلت من إسرائيل صاحبة اليد العليا، التي تمنح وتمنع حسب متطلبات سياساتها واحتياجات قواها المتنافسة.
فيما مضى، كان الغزيون يلوذون بمصر كبوابة يمكن أن تغنيهم عن البوابة الإسرائيلية الشرسة والمغلقة على الدوام، أما الآن وإن كانت القيادة المصرية تحاول فرز الألوان، ومعالجة أمر انتماء حماس الفكري والعضوي للإخوان في مصر بأقل قدر ممكن من الأذى الذي يمكن أن يلحق بالغزيين، إلا أن توجه حماس المبالغ فيه للغاية في إظهار العداء للوضع الجديد في مصر، خلق جوا يصعب على أي قيادة سياسية التغاضي عنه، واستبعاده من الحسابات التي تشكل قراراتها وتوجهاتها.
لقد أجمعت الفصائل الفلسطينية وقطاع عريض هو الأغلبية في الشعب الفلسطيني جراء هذا الوضع البالغ الصعوبة، على مطالبة حماس بفك ارتباطها مع الإخوان في مصر، لعل ذلك يخفف من معاناة الغزيين، ويمحو الرقم الفلسطيني من المعادلة الساخنة التي تفرز أحداثا دامية في سيناء ومدن مصر. إلا أن هذه المطالبة لم تلقَ أي تفهم من قبل قيادة حماس في غزة أو الخارج، ولعله من قبيل السذاجة المفرطة، الظن بأن «حماس» يمكن أن تفعلها، ذلك أنها لو فعلت ذلك ولو من قبيل «الضرورات تبيح المحظورات» إلا أن أحدا لن يصدقها، وبذلك لن تجني من الأمر كله سوى فقدان المصداقية، والاتهام المثبت بالتلاعب في أمر الانتماء الاستراتيجي لمصلحة احتمالات تكتيكية.
ثم إن «حماس» مطالبة ليس فقط بفك ارتباطها مع تنظيمها الأم في مصر، بل مطلوب منها ما هو أصعب من ذلك بكثير، وهو إعادة ارتباطها بسلطة رام الله، والإعلان الصريح عن التزامها بما التزمت به هذه السلطة، وهذا أمر لم تفعله حماس في الماضي، ويبدو أنها لن تفعله.
المعضلة كبيرة كما يلاحظ المراقبون، وكما يقر بذلك قادة حماس وأنصارها وداعموها، إلا أن فرص خروج حماس من هذه المعضلة، توازي فرص عودة مرسي إلى القصر الجمهوري في القاهرة، وعلى من يهوى إجراء الحسابات أن يحسب وأن يسأل.. أي معادلة يمكن أن تحقق مستحيلا كهذا؟