د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

تأثيرات تغير شكل قرص الدواء

إحدى أولويات اهتمام الأوساط الطبية هو ضمان استمرار المريض في تناول الأدوية العلاجية التي يصفها له الطبيب، وأي معوقات تحول دون تناول المريض دواءه يجب التعامل معها لمنعها من التسبب في انتكاس حالته الصحية. وعلى الأوساط الطبية أن تتسم بالذكاء في البحث عن أسباب توقف المرضى عن تناول أدويتهم. ونتيجة لكثير من الجهود الطبية خلال العقود الماضية، هناك قائمة متعددة العناصر للأسباب التي قد تؤدي إلى هذه المشكلة، مثل تسبب تناول الدواء في آثار جانبية مزعجة للمريض أو ارتفاع ثمنه، وغيرها من الأسباب التي من المفروض أن يتعامل الطبيب معها بتعاون المريض. وفي المقابل، هناك ربما أسباب منطقية لدى المريض الحريص على صحته، والحريص على اتباع تعليمات الطبيب، تدفعه إلى التوقف عن تناول الدواء الذي يصفه الطبيب له، وهذه الأسباب قلما يجري التنبه لها لعدم توقع تأثيراتها العميقة على المريض.
دعونا نراجع السيناريو التالي: مريض بالقلب يراجع طبيبه في العيادة، الذي يصف له مجموعة من الأدوية التي يتعين عليه تناولها، ويتناولها المريض بانتظام لحين مراجعته التالية. وفي الموعد التالي، يصف الطبيب له الأدوية نفسها، ويتسلمها المريض من الصيدلية، ولكنه يلاحظ عند عودته إلى المنزل أنها مختلفة عن سابقتها إما في لونها وإما شكلها، وحرصا منه على عدم التسبب في انتكاس حالته الصحية نتيجة تناول أدوية خطأ فإنه يتوقف عن تناول الأدوية الجديدة المختلفة. والسؤال: هل أخطأ المريض بالتوقف أم أخطأت المستشفى بصرف تلك الأدوية المختلفة عن سابقتها؟ الجواب: المستشفى، ممثلة في الطبيب والصيدلي، لم يخطئ، لأنه أعطاه أدوية صحيحة وإن كانت مختلفة في اللون أو الشكل عن سابقتها، وهو لم يخطئ في أخذه جانب الحيطة، ولكن بالنتيجة ثمة خلل وخطأ وهو توقف المريض عن تناول دوائه.
الباحثون من بريغهام ومستشفى النساء في بوسطن نشروا ضمن عدد 15 يوليو (تموز) لمجلة «حوليات الطب الباطني» (Annals of Internal Medicine)، نتائج دراستهم حول أحد المعوقات الخفية المحتملة للتسبب في توقف المرضى عن تناول أدويتهم وهو تغير شكل أو لون قرص الدواء في الأدوية الجنيسة Generic drugs عن مثيلاتها في الأدوية الأصلية.
والدواء الجنيس، أو دواء من جنيس مكافئ، هو مصطلح صيدلاني يقصد به منتج دوائي يكافئ منتجا دوائيا آخر ذا علامة تجارية، بمقدار جرعته وشدته ونوعيته ودواعي استخدامه، مثل أسبرين أصلي من إنتاج شركة «باير» الألمانية وأسبرين باسم آخر من إنتاج شركة هندية أو صينية أو أميركية. والأدوية الجنيسة أدوية فاعلة وعادة تباع بأسعار منخفضة جدا مقارنة بالأدوية ذات العلامة التجارية. ويبدأ حق الشركات في إنتاج نوع معين من دواء جنيس بعد انتهاء فترة احتكار إنتاج وتسويق الشركة المخترعة للدواء الأصلي.
والشركة التي تخترع الدواء، والتي تنال امتياز إنتاجه وتسويقه لسنوات محددة، تضع مواصفات «النسخة الأصلية» لشكل وحجم ولون قرص الدواء. ولذا، تختار، للقرص مثلا، شكلا ولونا وحجما معينا، لا يتطابق مع مواصفات هيئة أي قرص دوائي سابق، كي يصبح «ماركة تجارية» خاصة بهذا العقار. وبعد سنوات، وحينما تنتهي فترة الامتياز الحصري ويسمح للشركات التجارية الأخرى بإنتاج هذا العقار، يبقى لون وشكل وحجم قرص الدواء خاصا بالشركة الأصلية، وعلى الشركات التجارية الأخرى اختيار لون وشكل وحجم مغاير لنفس قرص دواء العقار ذاك.
وشمل الباحثون في دراستهم نحو 12 ألف مريض قلب أميركي ممن جرى تنويمهم ومعالجتهم في المستشفى فيما بين عام 2006 و2011. وجميعهم جرى إعطاؤهم أدوية جنيسة لواحد على الأقل من أربعة أدوية رئيسة في معالجة أمراض القلب، وهي: حاصرات بيتا beta - blocker، مثبطات إيه سي إي ACE inhibitor، حاصرات مستقبلات أنجيوتنسن 2 angiotensin II - receptor blocker، أو أدوية ستاتين statin لخفض الكولسترول، أي أدوية مختلفة في الشكل أو اللون عن الأدوية الأصلية التي تعودوا تناولها من قبل.
ولاحظ الباحثون في النتائج أن احتمالات توقف المريض منهم عن تناول أدويته، لمدة شهر على أقل تقدير، وصلت إلى نسبة 34 في المائة بعد تغير لون الدواء، ووصلت إلى نسبة 66 في المائة بعد تغير شكل الدواء. وقال الباحثون إن ثمة علاقة حقيقية بين تغير لون أو شكل الدواء والتوقف عن تناوله. ولكن اتباعا لمبدأ علمي في الاستنتاج الدقيق، لم يجزموا بأن العلاقة هي من نوع السبب والنتيجة. وأضاف الدكتور آرون كيسيلهيم، الباحث الرئيس في الدراسة، بالقول: «هذا يحصل مع مرضاي، حينما يلاحظون تغيرا في شكل أو لون الدواء عما اعتادوه، فإنهم يقومون بالاتصال بي للاستفسار، ونجيبهم عن ذلك نتيجة لما يكونون قد سمعوه عن احتمالات حصول الأخطاء في صرف الأدوية للمرضى».
وعلق الدكتور كيفن مارزو، طبيب القلب في مستشفى وينثروب الجامعي بنيويورك، بالقول: «ثمة أسباب متعددة لتوقف المرضى عن تناول أدويتهم. وهذه الدراسة هي الأولى التي أشارت إلى أن مظهر الدواء قد يكون أحدها».
وانصب أمل الباحثين على أن تنبه نتائج هذه الدراسة الأطباء إلى توعية المريض حال إعطائه دواء جنيسا مختلفا في اللون أو الشكل عن الدواء الذي تعود المريض تناوله من قبل، وأضافوا أن من الطبيعي أن ينتاب القلق مريض القلب على سلامة صحته وقد يصاب بارتباك عند تغير شكل أو لون أدويته. وذهب الباحثون إلى أبعد من ذلك بإشارتهم إلى ضرورة مراجعته جدوى إلزام الشركات المنتجة للأدوية الجنيسة بتغير شكل أو لون الدواء عن مثيله الأصلي نظرا لاحتمالات تسبب ذلك في إرباك المرضى وتوقفهم عن تناول أدويتهم.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]