نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

مستشار الوزيرين

هو الجنرال «جون الين» الذي تقاعد عن عمله العسكري كقائد للقوات الأميركية في أفغانستان، ليشغل الآن منصب مستشار وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين.
هذا الجنرال، كلف بمهمة وضع خطة عملية تضع في الاعتبار احتياجات إسرائيل الأمنية ومتطلبات فلسطين السيادية حال قيام دولتهم.
ولا شك أن هنالك فرقا كبيرا بين متطلبات إسرائيل الأمنية التي فيها قدر كبير من المبالغة والشطط، واحتياجاتها الاستراتيجية، التي تبتعد كثيرا عن المجال الضيق الذي هو مساحة الدولة الفلسطينية العتيدة وحدودها، وهي طولا وعرضا يمكن أن تقطعها قذيفة مدفع متوسط في زمن الصواريخ بعيدة المدى التي تمتلكها دول كثيرة في الجوار الإسرائيلي.
إن ما عمله الجنرال الين ومساعدوه من جهد ميداني احترافي حول مسألة الموازنة بين المتطلبات والاحتياجات يؤشر على الطريقة التي يعمل بها وزير الخارجية جون كيري الذي سمي لحظة تصديه لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بـ«مقاول المستحيل».
فالرجل يحاول الإفادة من النجاحات المحدودة للغاية التي أحرزتها محاولات إيجاد حلول للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأهم هذه النجاحات بلورة السلطة الوطنية وتثبيت علاقات فلسطينية إسرائيلية، ولو أنها علاقات مرتبكة وغير راسخة.
إن السيد كيري، أدخل تعديلات هامة على الطريقة الأميركية في العمل على المسار الفلسطيني الإسرائيلي ويمكن تحديدها بما يلي:
أولا: المزاوجة بين المستوى الاقتصادي والسياسي في خطته، هذه المزاوجة كانت ضعيفة فيما مضى، حيث كان التركيز ينصب على الجانب السياسي، ما أدى إلى تعثر البناء الاقتصادي وانحداره إلى درجة الصفر، حين تتوقف المفاوضات أو تواجه طريقا مسدودا. إن السيد كيري يبدو أكثر توازنا في هذا الأمر، فهو حريص على تنمية الاقتصاد الفلسطيني، مع منح الفلسطينيين تطمينات قوية بعدم اقتصار جهده على هذا الجانب، ففي نهاية المطاف إن لم يسفر الجهد الاقتصادي عن خلاصات سياسية فإن كل ما يبنى ستذروه الرياح وكأنه لم يكن.
ثانيا: يحاول السيد كيري معالجة الموضوع الأمني، الذي يهم إسرائيل بصورة أساسية، من خلال جعل هذا الموضوع هما أميركيا إسرائيليا مشتركا وليس هما فلسطينيا إسرائيليا، ذلك أن التهديد الاستراتيجي لإسرائيل الذي تُكثر الحديث عنه كتهديد مقبل من إيران أو سوريا أو حتى العراق، هو أمر لا شأن للفلسطينيين به، وليس موضوعيا ولا حتى ضروريا اتقاء الصواريخ المفترض أن تأتي من إيران بترتيبات عسكرية في الأغوار الفلسطينية التي هي على خط التماس المباشر مع أراضي الدولة العبرية. إن بوسع الفلسطينيين أن يقوموا بجهود فعالة في النطاق الداخلي كمنع عمليات عسكرية يمكن أن تتم في العمق الإسرائيلي أو حتى على القشرة، وهذا له ترتيبات مختلفة كليا عن الترتيبات التي كانت تطالب إسرائيل بها وتتطلب الاحتفاظ بأراض ومواقع عسكرية واستيطانية يرى العسكريون المحترفون أنه لا لزوم لها.
إن الفصل بين المتطلبات والاحتياجات هو خطوة متقدمة من جانب الأميركيين نحو إيجاد توازن آخر بين الأمن الإسرائيلي وضروراته، والاحتياجات الكيانية والسياسية للفلسطينيين حال قيام دولتهم.
ثالثا: يبدو أن السيد كيري وجد نفسه مضطرا لإيجاد توازن آخر بين الاحتكار الأميركي القديم لإدارة عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإشراك قوى أخرى تملك قدرات جدية على المساعدة في الأمر، مثل أوروبا التي كان دورها على مدى العقدين الماضيين مجرد ممول دون أي قدر من التدخل السياسي. إن أوروبا صاحبة القرار الجديد في التعامل مع المستوطنات والتي تهدد الفلسطينيين بإجراءات عقابية إذا لم يتعاونوا تماما مع جهود كيري، وربما تملك ما تهدد به الجانب الإسرائيلي لا بد أن يكون لها حضور أقوى في خطط العمل التي يضعها السيد كيري، ولعله من البديهي أن يدخل السيد كيري قوى عربية شريكة وداعمة في جهده، إذ ما من قضية شائكة في الملف الفلسطيني الإسرائيلي إلا وكان لدول الجوار تأثير فعال فيها وخصوصا الأردن.
إن السيد كيري جهز ورشة عمل أميركية فنية وميدانية لهذه المحاولة.. ولا جدال في أن مستشار الوزيرين.. الجنرال جون الين هو رأس حربتها على الأرض في أمر الأمن والأمور الأخرى، ودعونا نراقب لعل مقاول المستحيل يتحول إلى مقاول الممكن.