تتعرض البيئة في كافة مجتمعات العالم للتلوث بمختلف أنواعه، ومن ذلك سموم المصانع والمخلفات والنفايات والعوادم التي تترك آثارا ضارة بجسم الإنسان إذا ما تمكنت من الوصول إليه وخاصة عن طريق الغذاء أو الشراب أو الهواء. والمعروف أن بعضها من الممكن أن تسبب السرطان.
وبالنسبة للأطفال الرضع فإن وسيلة انتقال مثل هذه السموم إليهم، فرضيا، تكون عن طريق الرضاعة طبيعية كانت أو صناعية.
مواد ضارة بالرضيع
هل وجود أي مادة ضارة، أو سامة في البيئة المحيطة بالأم «المرضع من ثدييها» يعني وصول هذه المادة للرضيع عن طريق الرضاعة الطبيعية؟
وهل هناك احتمال أن الرضاعة الطبيعية قد تتسبب في نقل السموم التي تكتسبها الأم من البيئة المحيطة بها وبرضيعها؟ وبالتالي يتم إيقاف الرضاعة الطبيعية؟ أسئلة محيرة تثير القلق ولدى الأمهات المرضعات وأيضا بعض الممارسين الطبيين حول أن الرضاعة الطبيعية قد تتسبب في نقل السموم التي تكتسبها الأم من البيئة المحيطة للرضيع!.
وحول هذا الموضوع وتصحيح ما يدور حوله من مفاهيم، تحدث الدكتور محمود رشاد أستاذ طب الأطفال بجامعة الأزهر، رئيس جمعية أصدقاء لبن الأم المصرية، الذي سبق له تقديم ورقة عمل حول هذا الموضوع
بعنوان: «هل يمنع لبن الأم مرور السموم للرضيع؟» في «المؤتمر الدولي الأول للسمامة الغذائية - سمامة الغذاء: علم.. صحة.. سلوك»، الذي عقد في مدينة شرم الشيخ في منتصف شهر فبراير (شباط) المنصرم، العربية، ونظمته الجمعية المصرية لسمامة الغذاء بالمركز القومي للبحوث.
أشار أ.د. رشاد في البداية إلى وجود ست حقائق يجب استيعابها وشرحها والتعرف عليها قبل الإجابة وهي:
1 ـ إن وجود أي مادة ضارة، أو سامة، في حليب الأم يدل على وجود هذه المادة في البيئة المحيطة بالأم ولا علاقة لذلك بالرضاعة الطبيعية.
2 ـ إن مثل هذه المواد الضارة أو السموم تضر الجنين داخل رحم أمه أكثر بكثير من ضررها للرضيع من خلال إرضاعه حليب الأم.
3 ـ حليب الأم به مواد مضادة للأكسدة تقلل من الآثار السلبية لهذه المواد الضارة على الطفل.
٤ـ إن البديل، وهو الحليب الصناعي، لا يخلو من السموم والمواد الضارة أثناء التصنيع والتحضير، وأن إمكانية تلوثه عالية.
٥ـ توجد عدة طرق لتقليل، أو منع، وصول هذه المواد لحليب الأم، سيتم ذكرها لاحقا.
٦ـ ومع ذلك توصي منظمة الصحة العالمية باستمرار «الإرضاع الطبيعي» حيث إن فوائده كثيرة، وتفوق أي مخاطر.
سموم الحليب
وهنا طرحنا على الأستاذ رشاد عددا من الأسئلة ذات العلاقة بالموضوع لإزالة الغموض والشكوك خاصة لدى الأمهات المرضعات، وهي:
* هناك بحث سبق أن نشرته جامعة هارفارد بأميركا حول إمكانية مرور سموم الديوكسين Dioxin ومواد البيرفلوريناتد ألكيالتس Alkylates Perfluorinated إلى الطفل الرضيع من خلال حليب الأم، وكان نشر في مجلة، Environmental Science & Technology، August 20. 2015، . وقد أحدث ذلك البحث بلبلة وشكوكا كثيرة لدى الأوساط العلمية ناهيك عن أفراد الجمهور لأن هذه المواد معروف أنها يمكن أن تسبب السرطان وتضر جهاز المناعة.
- أوضح أ.د. رشاد أنه سبق أن اطلع على هذا البحث الذي ينقصه كثير من مقومات البحث العلمي الجيد، فهذا البحث تم إجراؤه على عدد 81 طفلا فقط، تمت ولادتهم كلهم في جزيرة فارو خلال الفترة 1997 – 2000، وعليه فإنه من الوجهة العلمية وأصول البحث يعتبر بحثا غير مقبول ويؤكد عدم جديته وعدم إمكانية الأخذ به.
* ما السموم التي يمكن أن توجد في حليب الأم؟
- مواد بي في سي PVC، موجودة في بعض لعب الأطفال وتغليف المأكولات وبعض المعدات الطبية. وكذلك - مادة تسمى بينتا Penta موجودة في دهانات أثاث المنزل، المبيدات الحشرية، - ملوثات الماء والغذاء، زجاجات الماء البلاستيكية، الخمور. كما توجد مواد مثل - الرصاص، الزئبق، الذي ينتشر في الهواء نتيجة حرق الفحم ثم يهبط في مجاري المياه المختلفة حيث يصل الأسماك. ويؤدي شرب الماء الملوث بمخلفات المصانع والمجاري، والنيكوتين عن طريق التدخين، وبعض الأدوية مثل أدوية العلاج الكيميائي وأدوية الأمراض النفسية والأدوية التي تعمل على جهاز المناعة.
مصدر السموم
* ما مصدر هذه السموم؟
- أجاب الأستاذ رشاد أن مصدرها البيئة المحيطة بالأم، حيث إن هذه السموم تتراكم في الهواء الموجود في بيئة بها مصانع أو زراعة (أسمدة وكيميائيات)، أو عادم سيارات أو تدخين أو حرق
القمامة، أو من خلال طعام وماء ملوث.
وأيضا يمكن أن يكون مصدرها أدوات التجميل وملوثات البيئة التي يمكن أن يمتصها جسم الأم بكميات قليلة تتراكم مع مرور الوقت في الأنسجة الدهنية، ومن الممكن أن تدخل في تركيب حليب الأم. وأضاف أن هناك أمثلة أخرى، فأي غذاء تتناوله الأم يمكن أن يكون مصدرا لمواد ضارة أو سموم، رغم كونه مصدرا جيدا لعناصر غذائية مختلفة. ومثلا ينصح دائما بتناول الأسماك لما لها من قيمة غذائية عالية، ولكن الإكثار من تناولها يمكن أن يؤدي إلى تراكم كميات صغيرة من مادة الديوكسين الضارة لجسم الإنسان. كما أن استخدام الملح بكمية كبيرة كوسيلة لحفظ بعض المأكولات من البكتريا، يمكن أيضا أن يتسبب في ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
منع السموم
* كيف يمكن للأم المرضع أن تمنع وجود أي سموم في حليبها، أو أن تقلل حجم السموم في جسمها، وأن تعيش في بيئة خالية من التلوث؟
- تجنب التعرض للكيميائيات مثل دهان الأثاث ودهانات الحوائط ودهانات الأظافر والمواد البترولية والمبيدات الحشرية.
وكذلك تجنب تناول الأغذية الملوثة بدون غسل جيد، تجنب تجميد الحليب في أوان بلاستيكية، مع تناول غذاء صحي متوازن، ويفضل أن يكون عضويا وإن لم يكون عضويا يتم تقشيره وغسله جيدا. ونزع الدهون من اللحوم والدجاج قبل طبخها.
ويجب الإقلال من أكل الدهون، وتناول منتجات ألبان قليلة الدسم. وتناول الأسماك الزيتية تكون بكميات محدودة، كما لا تؤكل اسماك مثل التونة أكثر من مرتين أسبوعيا وسمك القرش مرة واحدة أسبوعيا.
كم يجب تجنب التدخين المباشر والسلبي، وتجنب شرب الخمور، وشرب الماء بكثرة لإعطاء الفرصة للجسم أن يخرج السموم من خلال البول بدل من حليب الثدي، وممارسة التمرينات الرياضية يوميا لإعطاء الفرصة للجسم أن يخرج السموم من خلال العرق بدل من حليب الثدي. وعدم حرق القمامة لتجنب استنشاق هواء ملوث.
فوائد الرضاعة الطبيعية
* من الواضح أن حليب الأم قد يتأثر بمثل هذه المواد الضارة، ولكن رغم ذلك فأنتم تنصحون بالرضاعة الطبيعية وكذلك منظمة الصحة العالمية توصي باستمرارها. فلماذا؟
اكتفى الأستاذ محمود رشاد بعرض ملخص لفوائد الرضاعة الطبيعية، وتشمل فوائدها العامة:
- بداية بناء العلاقة الوثيقة بين الأم والطفل
- سهولتها، ولا تحتاج لتحضير
- اقتصادية، ولا يوجد لها أي تكاليف
- حليب الألم يكون دائما في درجة حرارة مناسبة ولا يحتاج إلى تدفئة وال تبريد
- حليب الأم سهل الهضم
أما فوائدها للطفل فهي:
- خفض نسبة العدوى البكتيرية والفيروسية عند الرضيع
- خفض مدة الإقامة بالمستشفيات خلال الستة أشهر الأولى من عمر المولود
- تقوية جهاز المناعة للطفل
- خفض معدل الإصابة بالسكري وسرطان الدم بين الرضع
- خفض معدل حدوث أمراض الحساسية
- خفض معدل الوفيات بين الرضع وفوائدها للأم:
- ممكن أن تكون وسيلة ناجحة لمنع الحمل خلال أول 6 أشهر بعد الوالدة بشرط أن تكون رضاعة مطلقة بدون أي إضافات طوال اليوم
- منع حدوث السمنة لدى الأمهات بعد الولادة باستهلاك الوزن الزائد أثناء الحمل
- حماية الأم من الإصابة بالأنيميا عن طريق وقف نزيف ما بعد الوالدة بعد أيام قليلة، نتيجة إفراز هرمون الأوكسيتوسين
- حماية الأم المرضع من الإصابة بسرطان الثدي والمبيض
وأخيرا توصي المنظمات العالمية التي تعني بصحة الطفل باستمرار الرضاعة الطبيعية بصرف النظر عن وجود هذه السموم. وقد ثبت علميا أن حليب الأم يمكن أن يقلل كثيرا من الآثار السلبية للسموم إن وجدت لاحتوائه على مواد مضادة للأكسدة.
وكمية السموم في حليب الأم، إن وجدت، تكون قليلة جدا وغالبا ما يكون تأثيرها السلبي ضعيفا جدا. وأضرار هذه السموم تكون أكثر ضررا على صحة الجنين خلال فترة الحمل.
ولا ننسى أن الألبان الصناعية، وهي البديل الوحيد لحليب الأم، غير خالية من السموم.
* استشاري طب المجتمع