طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

أنت السلم وأنت الثعبان

إنها واحدة من أشهر الألعاب في العالم أتحدث عن «السلم والثعبان»، لا تحتاج إلى كثير من التجهيزات أو الأدوات ولا تتطلب منك بذل الطاقة جسدياً أو فكرياً، كما أنها تحقق أعلى درجات التشويق، ما بين الانتصار المدوي والهزيمة المخزية، وأنت تتأرجح في لحظات ترنو مرة للقمة وتخشى مرة القاع، تنتظر ضربة من النرد (الزهر) وأنت وحظك، وما الذي سوف يفعله بك الرقم.
كالعادة لن تستطيع تحديد النشأة التاريخية لتلك اللعبة، هل هي هندية أم إنجليزية أم مصرية قديمة؟ كثيراً ما تتناقض المراجع في تحديد من له اليد الطولى، أو بتعبير أدق اليد الأولى، في الاكتشاف، حيث تتعدد في العادة الأيادي، أغلب شعوب العالم تمارس في التوقيت نفسه تقريباً ألعاباً متشابهة، وقد تختلف فقط في بعض التفاصيل، وبعدها تتوحد القاعدة، وهذا ما يمنح أي لعبة بُعدها العالمي، عندما توضع محددات ملزمة تتيح لها أن تقفز فوق أزمنة التاريخ وحدود الجغرافيا.
إنها في النهاية تُعبر على جزء عميق في الضمير الجمعي العالمي، يتمثل في انتظار ضربة حظ من الممكن أن تمنحك مرة سلماً يصعد بك للقمة إلا أنها في لحظة أخرى قد تقدم رأسك إلى ثعبان لا يرحم، ليعيدك مجدداً إلى أسفل الرقعة، حيث المربع رقم واحد.
في حياتنا كثيراً ما ننتظر سلماً يصعد بنا للقمة، وغالباً ما يطول انتظارنا لنستيقظ على لدغة ثعبان يباغتنا وينقض علينا في لحظة استرخاء.
في مشوار الحياة لا يخلو الأمر من تلك التناقضات التي نعايشها ما بين المد والجزر، وعلينا أن نتعلم ليس فقط كيف نواجه الفشل ولكن أيضاً مواجهة النجاح وترويضه، النجاح يظل واحداً أيضاً من أهم المعارك التي ينبغي لنا أن نكسبها، الناس تتصور أن الفشل هو العدو الأكثر شراسة، رغم أن واقع الأمور يشير إلى أن النجاح يحتاج إلى قوة أكبر حتى لا يهزمنا.
لديكم مثلاً المطربة الموهوبة التي حققت في العالم العربي درجة نجاح استثنائية، وفتحت لها قلوب الناس قبل آذانهم، أتحدث عن شيرين التي كثيراً ما تُثير الكثير من تصريحاتها مساحات من الغضب، حتى إنها في أحيان كثيرة تتجاوز في أسلوب المداعبة، وهكذا مثلاً ودون أن تقصد أغضبت قطاعاً من الجمهور التونسي الحبيب، الكثير ممن يعرفون شيرين لديهم قناعة راسخة أنها لا تقصد، ولكنها، من وجهة نظري، أن عليها واجباً أن تُقدم اعتذاراً للشعب التونسي الذي منحها كل هذا الفيض من الحب في حفلتها الأخيرة بقرطاج فأغضبت قطاعاً منه.
لديكم مثلاً النجاح الذي حققه النجم المصري محمد سعد قبل نحو 15 عاماً من خلال شخصية «اللمبي»، هو لم يدرك أن أي شخصية درامية لها عمر افتراضي، وعليه قبل أن تصل بالجمهور إلى مرحلة التشبع أن يبحث عن شخصية أخرى، أم كلثوم كثيراً ما كانت تُعيد الكوبليه، مثنى وثلاث ورباع إلا أنها تُدرك أنها لن تحظى بدرجة تصفيق أعلى لو أعادته للمرة الخامسة، ولهذا تقف عند الرابعة.
الفنان يستطيع أن يعثر على السلم ويصعد به للقمة، عندما يشعر أنه يُقدم للجمهور شيئاً خاصاً وحميماً، وعليه في اللحظة نفسها أن يبحث عن الثعبان الكامن أسفل السلم حتى لا يباغته بلدغة، أنت السلم وأنت الثعبان، فلا تلاعب أو بمعنى أدق تتلاعب بنفسك!