من البديهي أن إبرام اتفاق على المدى القصير مع إيران يُستحق معه رفع العقوبات جزئيا، سيكون اتفاقا لتجميد كافة العناصر الأساسية لبرنامج تطوير الأسلحة النووية لإيران، وأن الاتفاق الوحيد الذي يُستحق معه رفع العقوبات كليا هو الذي يمكن من خلاله التحقق من تقييد قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية.
بيد أنه يوجد شيء ما آخر مسلم به، ولكن ما زال يحتاج إلى التصريح به بنبرة عالية: نحن، أميركا، لسنا مجرد محامي دفاع للتفاوض والتوصل إلى اتفاق لصالح إسرائيل وحلفائنا في الخليج. نحن، أميركا، لدينا مصالح لا تتمثل في كبح وتقليل قدرات الأسلحة النووية لإيران فحسب، ولكن أيضا إنهاء الحرب الباردة القديمة التي بدأت منذ 34 سنة بين إيران وأميركا، والتي أضرت بمصالحنا ومصالح أصدقائنا الإسرائيليين والعرب وأثرت عليها بالسلب.
ومن ثم، يجب علينا عدم معارضة مصالحنا الواضحة والأكيدة في مواجهة الجهود الإسرائيلية والعربية الرامية إلى عرقلة إبرام اتفاق نعتقد أنه سيكون جيدا بالنسبة لنا ولهم. وتكمن مصالح أميركا في الوقت الحالي في التوصل إلى اتفاق نووي وشيك ومحكم مع إيران التي تفتح الباب وتمهد الطريق للتعامل مع مجموعة كاملة من القضايا الأخرى بين واشنطن وطهران.
بعض حلفائنا لا يشاركنا في هذه المصالح ويؤمنون بأن النتيجة الوحيدة المقبولة هي ضرب المنشآت النووية لإيران وإبقاؤها دولة منعزلة وضعيفة. إنني ألتمس لهم العذر لتلك الشكوك التي تساورهم. ودون وجود الضغط وفرض العقوبات الدولية على إيران، ما كانت إيران لتقدم حتى اليوم على تقديم أي تنازلات بخصوص برنامجها النووي.
بيد أن هذا الضغط لم يعنِ قط نهاية الأمر في حد ذاته، ولكنه كان يعني إشراك إيران في الأمر، بشرط أن تتخلى، بشكل يمكن التحقق منه، عن قدراتها لإنتاج سلاح نووي. ويقول كريم سجادبور، الخبير في الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيغي إنداومنت للسلام الدولي: «بما أن اللاعبين الإقليميين يرون أنه لا طائل من وراء الدبلوماسية مع إيران مثل (لعبة المجموع الصفري)، سواء تحقق الفوز أو جرى التغلب عليك، فلا يعني ذلك وجوب توقف أميركا عن التوصل إلى اتفاق».
ما هو السبب وراء ذلك؟ فلنبدأ بالحقيقة التي مفادها أن إيران لها تأثير هائل على العديد من الأمور التي تعد مصدر قلق للأمن القومي لأميركا، بما في ذلك، سوريا والعراق وأفغانستان، فضلا عن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، والإرهاب، والانتشار النووي. وقد أسهم تصاعد حدة التوتر مع إيران في تفاقم هذه القضايا، لذا فحدوث انفراجة مع طهران قد يساعد بدوره في تهدئة الأوضاع المتعلقة بتلك القضايا. ولقد لعبت إيران دورا حيويا في مساعدتنا في هزيمة حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، وهو ما يمكن أن يتكرر لمساعدة القوات الأميركية على الانسحاب من أفغانستان دون أن تستعيد طالبان السيطرة مرة أخرى على الأراضي الأفغانية بالكامل.
هناك صراع في طهران في الوقت الحالي بين الذين يريدون من إيران أن تتصرف كدولة تهتم بمصالحها وهؤلاء الراغبين في أن تستمر في التصرف كدولة الثورة المستمرة في صراع متواصل مع أميركا وحلفائها. وأوضح نادر موسافيزاده، أحد كبار المساعدين السابقين للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان قائلا: «يتمثل الخطر في مفاوضات جنيف النووية جزئيا في السمة الأهم التي ستغلب على السياسة الخارجية الإيرانية». وعليه، فيمكن أن يؤدي إبرام صفقة تحقق المنفعة المشتركة إلى تمهيد الطريق للتعاون على جبهات أخرى.
وعلاوة على ذلك، لا يوجد شيء يهدد مستقبل الشرق الأوسط في الوقت الحالي أكثر من التصدع والشرخ الطائفي بين السنة والشيعة. ويخدم هذا التصدع الرئيس السوري بشار الأسد وجماعة حزب الله اللبنانية وبعض الزعماء لصرف شعوبهم عن القضايا الأساسية للنماء الاقتصادي والبطالة والفساد والشرعية السياسية. كما يجري استخدام هذا التصدع لبقاء إيران معزولة وعاجزة عن الاستغلال الكامل لاحتياطاتها الهائلة من النفط والغاز، وهو ما يمكن أن يكون تحديا لبعض الإجراءات العربية. بيد أن مصلحتنا تتمثل في إخماد هذه المشاعر الطائفية، وليس الوقوف إلى جانب أحد الأطراف.
لقد منعتنا الحرب الباردة الإيرانية - الأميركية من التصرف المثمر بشأن كافة هذه الاهتمامات. من السهل أن نقول إنه يجب علينا الانصراف عن المحادثات إذا لم نحصل على ما نريد، ولكن عزل إيران لن يكون سهلا كما كان من قبل. تمتلك الصين وروسيا والهند واليابان مصالح مختلفة بالمقارنة مع مصالحنا تجاه إيران. وكان الرجل الوحيد الذي يمكنه توحيدهم جميعا وراء هذا النظام الذي تعرض لعقوبات شديدة هو الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد. في حين أن الرئيس الجديد، حسن روحاني، أكثر براعة. ويقول سجادبور: «قد يبلغ تأثير العقوبات المفروضة ذروته، ولن تتخلى دول مثل الصين بشكل غير محدد عن مصالحها التجارية والاستراتيجية وجها لوجه مع إيران لمجرد إرضاء الكونغرس الأميركي».
وفي ضوء جميع ما ذكر، فإن الاتفاق الذي يحاول فريق أوباما إبرامه في الوقت الحالي للبدء في تقليل القدرات النووية لإيران واختبار المزيد من الأمور الممكنة يصب في مصلحة الولايات المتحدة بشكل أساسي. ويقول موسافيزاده «إن تحقيق انفراجة مع إيران يعد مكسبا مهما للسماح للولايات المتحدة بتبني سياسة خارجية مستقبلية متوازنة بما يجمع بين المصالح والالتزامات، مع السماح لنا بإعادة البناء في الداخل في الوقت نفسه». وواصل حديثه قائلا: «هناك في الشرق الأوسط من يفضل وجود حرب قبلية وطائفية لا تنتهي، وهي مبررات رجعية تعوق تطويرهم الداخلي كمجتمعات متفتحة ومتكاملة ومتسمة بالتعددية، ويمكن أن يكون لهم ذلك، ولكن هذه ليست حربنا ولسنا نحن من يفعل ذلك سواء في الداخل أو الخارج».
* خدمة «نيويورك تايمز»