ونحن نحتفل بثورة 23 يوليو (تموز) نتذكر العشرات من الأغاني الوطنية التي تغنت بالثورة وباسم ناصر، فهو ربما كان أكثر زعيم طوال التاريخ تم ترديد اسمه، كان الشاعر يحرص أن تضمن القافية واحداً من اثنين، إما أن تنتهي بحرفي الألف واللام، حتى يستخدم اسم جمال في نهاية (الكوبليه)، ويحظى بعدها قطعاً بالتصفيق، أو يلجأ لقافية أخرى الصاد والراء، حتى تصبح الفرصة مهيأة لاستخدام اسم ناصر، البعض على استحياء وجد أنه من الممكن استخدام تعبير آخر وهو اللام والدال وتصبح القافية (أبو خالد) اسم ابنه البكر.
قطعاً هناك من تغنوا بصدق ولكنهم يشكلون النسبة الأقل، كان أهل المغنى يخشون أن يصبحوا محل تساؤل لو تقاعسوا في هذا المجال، بعد أن تعددت وتمددت وسائل الأجهزة الأمنية، ورغم ذلك كان الشاعر يلجأ أحياناً إلى وسائل غير مباشرة للتعبير، مثلاً الشاعر الغنائي مأمون الشناوي، قال لي إنه لم يجد للتعبير عن هزيمة 67 إلا هذه الكلمات الفولكلورية «العتبة جزاز والسلم نايلو ف نايلو» غناء مجموعة أطلقوا عليها الثلاثي المرح، وتلحين علي إسماعيل، لم تكن الأغنية في أصلها البدوي سوى كونها تُغنى للعروس ليلة الزفاف، ولكن ما أراده مأمون الشناوي هو توصيف حالة الهزيمة، وسمحت بها الرقابة.
الشاعر صلاح جاهين له رباعية شهيرة أدت إلى أن يمنع فترة من نشر الرباعيات، بسبب تفسيرها باعتبارها تنال من الرئيس. (يا طير يا عالي في السما طز فيك/ ما تفتكرش ربنا مصطفيك/ برضك بتاكل دود وللطين تعود/ تمص فيه يا حلو ويمص فيك) وعجبي.
عاش جاهين 16 عاماً بعد رحيل عبد الناصر، ولكنه أبداً لم يؤكد أو ينفي أنه قصده بتلك الرباعية، وإن كان صديقه المخرج علي بدرخان قال في تفسير ذلك إن صلاح باعتباره أكثر الشعراء الذين تغنوا بجمال حيث ردد له عبد الحليم عشرات من الأغاني التي تتغنى بالزعيم مثل «إحنا الشعب» و«بالأحضان» و«صورة» وغيرها، فكان يخشى من الجهر بانتقاده، حتى إنه شارك في تأليف سيناريو فيلم «الكرنك» عام 1975 وطلب عدم كتابة اسمه على «التترات» لأن الفيلم ينتقد بضراوة زمن الستينات والمعتقلات.
الشاعر عبد المنعم السباعي والذي كان عند قيام الثورة ضابطاً في القوات المسلحة برتبة «نقيب»، أسندوا له بعد 23 يوليو منصب (رئيس أركان) الإذاعة؟! وكان أيضاً مسؤولاً عن الرد على الرسائل التي تصل إلى مكتب ناصر، إلا أن هناك من أفسد العلاقة بينهما، فاستقال من الإذاعة ومن مكتب الرئيس، فكتب لعبد الناصر في منتصف الخمسينات، تلك الرسالة بصوت أم كلثوم (أروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك)؟! طبعاً لم يكن يجرؤ السباعي أن يعلن وقتها دوافع تأليفه للأغنية، إلا أنه بعد رحيل عبد الناصر وتولي السادات الحكم عام 1970، قال إنها رسالة عتاب، الغريب أنها كانت الأغنية الأقرب لعبد الناصر!!
لدينا شذرات أخرى أن يغني عبد الحليم في نهاية الستينات «جانا الهوى» ويردد فيها مقطع «اللي شبكنا يخلصنا»، قالوا إنه يحمل ناصر المسؤولية عن الهزيمة، وعندما سألت محمد حمزة شاعر الأغنية قال لي إن تعبير «اللي شبكنا يخلصنا» استوحاه من الإنجيل (ما جمعه الله لا يفرقه إنسان)، أراد أن يقول إن علاقته بالمحبوبة أبدية، وفسرها البعض بسبب الكبت تحريضاً ضد عبد الناصر!
8:49 دقيقه
TT
اللي شبكنا يخلصنا
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة