هناك ارتباط بين المكانة العالمية للدولة وبين مصادر القوة التي تميزها عن غيرها من الدول، وعند اختيار الحلفاء تكون المصلحة هي المقياس الذي بموجبه يتم الاختيار، وفي عالم انحسرت فيه القيم والمبادئ الإنسانية العليا أصبحت المنفعة التي يمكن أن تجنيها دولة من تحالفها مع أخرى هي المقياس للتقارب بينهما؛ فالنفع الذي يمكن أن يقدمه الحليف هو مقياس الاختيار، ومن المعايير المهمة لاختيار الحليف أيضاً: مستوى التقدم العلمي والصناعي، والقوة الاقتصادية والعسكرية، والموقع الجغرافي، والنظام السياسي المتطور، وحجم السوق، وعدد السكان... إلخ، ولو أردنا قياس قوة المملكة العربية السعودية حسب هذه المعايير، لوجدناها في مستوى متوسط بين الدول التي يمكن أن يتم اختيارها حليفاً يُستفاد منه، إذا قارناها بفرنسا أو ألمانيا أو الصين أو اليابان أو الهند مثلاً، وهذا يطرح تساؤلاً في غاية الأهمية: ماذا يميز المملكة؟ وما مصدر قوتها الحقيقية على المسرح الدولي، وهي دولة لها تلك المعايير؟ ولماذا تحرص الولايات المتحدة على أن تتخذ المملكة حليفاً لها، وتبين هذا من خلال المكالمة الهاتفية التي خصّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب بها الملك سلمان بن عبد العزيز في الأيام الأولى لرئاسته؟.
وقد قرأنا في الصحافة المحلية تحليلات وتعليقات على تلك المحادثة الهاتفية، وجاءت التحليلات في معظمها تكراراً لكلام قديم، منه التاريخ الطويل للعلاقات الخاصة بين البلدين، ووجود أرصدة مالية كبيرة للمملكة في الولايات المتحدة، ووجود احتياطيات نفطية كبيرة، والموقع الجغرافي المميَّز للمملكة، وبالطبع ليس من العدل التقليل من أي من تلك العوامل، فلكل ثقله في ميزان العلاقات بين الدول، لكن مصدر القوة عند المملكة أقوى بكثير من جميع المعايير السابقة، وبعضنا غاب عنه إدراك مصدر الثقل الدولي الذي تتميز به المملكة، وهو الأهم من كل ذلك، ألا وهو مكانة المملكة العربية السعودية ووزنها في العالم الإسلامي؛ لوجود الحرمين الشريفين في أراضيها، وما تقوم به من جهود جبارة في خدمتهما، ومن عمل صادق وأمين على راحة الحجاج والمعتمرين، وهو مصدر قوة وعزة وكرامة للمملكة وشعبها، وهو أهم مصادر القوة التي تتميز بها المملكة في ميزان القوى الدولية.
وما نراه من محاولات بائسة لتعكير شعيرة الحج من قِبَل مَن لا يريدون الخير والتعايش وحُسْن الجوار ووحدة الأمة الإسلامية، ما هو إلاّ نتيجة إدراك تلك الجهات لأهمية تلك القوة الكامنة ومحاولة زعزعتها والتأثير فيها، وقد برهنت الأيام فشلهم وسقوط مشروعهم التخريبي.
هناك قرابة مليار ونصف مليار مسلم يتوجهون خمس مرات في اليوم نحو مكة المكرمة قِبْلتهم التي تتشرف المملكة العربية السعودية باحتضانها، هل هناك دولة في العالم تحظى بهذا الشرف؟! إن العلاقة العميقة بين بيت الله الحرام ومسلمي العالم علاقة لا يمكن أن تعادلها أي علاقة روحية لأي مكان آخر في العالم، فهو مكان يفديه المسلمون بأرواحهم لو مسَّه مكروه - لا سمح الله - وإذا أضفنا لتلك القوة الكبرى الموقع الجغرافي المميَّز ووجود احتياطي الطاقة الكبير - شريان الحياة للاقتصاد العالمي - والقوة المالية للمملكة؛ فلا غرابة في أن نرى ملوك الدول ورؤساءها يتوافدون على المملكة ينشدون التعاون والتنسيق بينهم وبين هذه البلاد، ولا غرابة في أن تأتي تلك المكالمة الهاتفية من الرئيس الجديد للولايات المتحدة في أيامه الأولى في البيت الأبيض، ولا غرابة في أن يلقى الملك سلمان ما لقيه من حفاوة وتكريم في الدول الآسيوية التي زارها قبل أيام.
إن من أوجب الواجبات على أبناء المملكة العربية السعودية ألا يغيب عنهم هذا الجانب المهم من مصادر القوة التي تتمتع بها بلادهم، وواجبنا يقتضي التواضع والاجتهاد في خدمة ضيوف الرحمن عندما يحلُّون ضيوفاً في المملكة لتأدية شعائر الحج والعمرة، وكذلك الوافدون إلى ديارها للعمل أو الزيارة، وإكرامهم والإحسان إليهم، ففي ذلك عزَّة وفخر لها، ونشكر الله أن اختصَّنا بهذه المنَّة العظمى: وجود الحرمين الشريفين على أرضنا.
* كاتب سعودي
11:30 دقيقه
TT
السعودية في ميزان القوى الدولية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
