توماس فريدمان
TT

الكابوس العالمي

وصلت إلى شنغهاي في التاسع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) واستقبلت بالخبر التالي: «خلف مزيج من الطقس البارد وعدم هبوب الرياح والتدفئة باستخدام الفحم ومزارعون يحرقون مخلفات الحصاد عاصفة مثالية من التلوث في مدينة هاربين الصناعية شمال شرقي الصين، التي يقطنها عشرة ملايين شخص». كان الخبر سيئا حتى إن سائقي الحافلات ضلوا طريقهم لأن الضباب الدخاني الذي أغلق الطرقات لم يسمح لهم إلا برؤية بضعة أمتار أمامهم. وحذر موقع مدينة هاربين على الإنترنت من أن «السيارات التي أضيئت مصابيحها الأمامية لا تتحرك أسرع من المشاة، وتطلق نفيرا بشكل متكرر نظرا لصعوبة رؤية السائقين لإشارات المرور الواقعة على بعد أمتار».
من ناحية أخرى، أعلن مرصد الأرض التابع لوكالة «ناسا» أن بعض أحياء هاربين تعاني من تركز الجسيمات الدقيقة (PM 2.5)، والتي وصلت إلى معدل 1000 ميكروغرام لكل متر مكعب، والتي تعد نسبة مرتفعة. في المقابل تؤكد معايير جودة الهواء التي تتبناها وكالة حماية البيئة الأميركية على ضرورة ألا يزيد تركيز الجسيمات في الهواء على 35 ميكروغراما للمتر المكعب. هذا يعني أن هاربين تحتاج إلى خفض 97 في المائة من التلوث لكي تصل إلى أعلى مستوى يمكن أن توصي به الحكومة. وقالت وكالة «ناسا» إن مستشفيات هاربين أوردت «زيادة بنسبة 30 في المائة في عدد الحالات المصابة بمشكلات في الجهاز التنفسي، وأن العديد من صيدليات هاربين تبيع أقنعة الوجه للوقاية من التلوث». كما ألغت مغنية الجاز الأميركية باتي أوستن حفلة موسيقية في بكين الملوثة بالدخان الكثيف بسبب «هجوم الربو الحاد وعدوى الجهاز التنفسي»، وفقا لموقع الحفل.
ولم يكن من المستغرب أن يسيطر على المحادثات في تجمع الناشطين في مجال البيئة في شنغهاي، الذي حضرته، ونظمته، مؤسسة التعاون بين الولايات المتحدة والصين، بشأن الطاقة النظيفة (Juccce)، الأمهات والآباء الذين تحدثوا عن المكان الأمثل للعيش في الصين، وعندما يرسلون أطفالهم خارج المنزل، ونوعية الطعام والماء التي يمكن الوثوق بها. ورغم تبادل الملاحظات حول أحدث «كارثة مناخية» في الصين بعد بضعة أيام، سأل هال هارفي، الرئيس التنفيذي الأميركي لمؤسسة ابتكار الطاقة والابتكار، والذي يعمل مع الحكومة الصينية في محاولة لإعادة ضبط جودة الهواء، سؤالا قويا «ماذا لو حققت الصين كل معايير النجاح الاقتصادي ما عدا شيئا واحدا وهو أنك لا تستطيع العيش هناك؟». وأضاف «ما هو الجيد في وجود جميع تلك المباني الجديدة إذا كنا محاصرين داخلها؟ وما هو الجيد إذا مكن النمو السريع للصين أربعة ملايين شخص في بكين من اقتناء سيارات خاصة، لكن حركة المرور متوقفة دائما؟ ما هو الجيد إذا ارتفع دخل الفرد في الصين إلى مستوى توفير وجبات غنية بالحليب واللحوم لعشرات الملايين للفقراء الفلاحين الذين كانوا يعانون الفقر، لكنهم لا يستطيعون الوثوق فيها؟ ما هو الجيد في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، إذا لم يكن هناك هواء نظيف للتنفس؟».
لقد تمكنت الصين من تحقيق نهضة صناعية في 30 عاما - المدن الحديثة، والطرق، والمطارات، والموانئ، والاتصالات - وانتشال المزيد من الناس من الفقر أسرع من أي بلد في تاريخ العالم. ولدى الصين الكثير لتفخر به. لكن كل اقتصاد سليم، رغم ذلك، يعتمد على بيئة صحية. وسوف تتوقف الصين ما لم يقم الرئيس تشي جينبينغ وحكومته الآن ببناء برمجيات - قوانين مؤسسية ومحاكم ومعايير - يمكن أن تضمن ألا يتأثر كل هذا النمو بوباء الأراضي المسلوبة والهواء الملوث.
الكلام أسهل من الفعل. فالصين نظام قائم على الحزب الواحد، بداخله مصالح متنافسة. فقادة الحزب الأكثر استنارة في بكين قد يعلنون: «يجب أن ننظف هذه الفوضى»، لكن لا يزال عليهم إقناع القادة المحليين - الذين يعتمدون في دخلهم على زيادة النمو الاقتصادي - بأن المصالح البيئية تقف على قدم المساواة مع المصالح الاقتصادية»، بحسب هارفي. وهذا يتطلب تقييم القيمة الفعلية، ومنح السلطة المؤسسية الحقيقية، لمن في النظام لحماية هذه الأمور المشتركة - الهواء والماء والأرض.
وتعمل بيغي ليو، بمؤسسة «Juccce»، مع المستهلكين الصينيين والمنتجين والمسؤولين لتحديد وتنفيذ «حلم صيني» أكثر استدامة مختلف عن الحلم الأميركي من منزل، وسيارة، ومرأب، واقتصاد في متناول الجميع. أعتقد أن بناء الدعم المؤسسي لحلم صيني مستديم هو الشيء الأكثر أهمية الذي يمكن للرئيس تشي القيام به.
وكتبت ليو مؤخرا «لا ينبغي أن تكون في الصين أنهار ذات مياه حمراء نتيجة النفايات الصناعية، أو بحيرات وشواطئ تقتلها الطحالب الخضراء السميكة، أو ثمانية عشر ألف خنزير ميت نتيجة لفيروسات تطفو أعلى نهر هوانغبو. لا ينبغي علينا أن نتحقق من تطبيق مؤشر نوعية الهواء على هاتفنا كل يوم لتحديد ما إذا كان ينبغي أن نترك أطفالنا يلعبون خارج المنزل أم لا. لا ينبغي أن يسأل أي طفل صيني أمه عندما يخرج من المنزل للمرة الأولى: «أمي، لماذا السماء شديدة الزرقة؟». الصين يمكن أن تكون أفضل من هذا. الصين تحتاج إلى البحث عن طريق فريد لحياة مزدهرة ومجتمع مستقر.. مسار يكون مستداما. وإن لم نفعل ذلك قريبا، فسوف ينتهي بنا المطاف بكابوس صيني. وما من شك في أن كابوس الصين هو كابوس عالمي.
* خدمة «نيويورك تايمز»