استقبلت الصين قبل أيام معدودة «سنة الديك» القمرية ليستقبل العالم أجمع - بما في ذلك الصين نفسها - سنة دونالد ترمب.
دونالد ترمب ملأ الدنيا وشغل الناس في أول أسبوعين من ولايته كما لم يسبق أن فعل أي رئيس أميركي قبله.
خلال هذين الأسبوعين من ولايته الرئاسية قلب ترمب مفهوم الدبلوماسية الدولية من فن الممكن إلى فن المستحيل، معتمدًا مقاربة للشأن الدولي تتوخى الربح لرجل الأعمال، وتتحسب الخسارة لرجل السياسة.
ولكن هل يكفي أسبوعان للحكم على ما إذا كان ترمب سيتحول من رجل أعمال يهوى السياسة إلى سياسي يتعاطى الأعمال التجارية، علما بأن المراقبين السياسيين درجوا على منح الحكومات والعهود الجديدة مهلة مائة يوم للحكم على أدائها؟
بين ذهنية رجل الأعمال الناجح ورؤية رجل السياسة المبتدئ يبدو الرئيس ترمب، في بداية ولايته على الأقل، أكثر ميلاً لتغليب المصلحة الشخصية على الضرورات السياسية. على سبيل المثال، لا يبرئ كثير من المحللين السياسيين قرار ترمب التخلي عن سياسة «الصين الواحدة» من رغبته في السير قدمًا في تنفيذ مشروع استثماري ضخم يحتاج إلى تمويل صيني - الدولة التي أصبحت دولة الاقتصاد العالمي الثاني والمنافس الدولي المباشر للولايات المتحدة... وهكذا أوقف ترمب عملية الغزل السياسي مع تايوان، مسدلاً الستار بهدوء على تهديده الانتخابي للصين.
وبعد أن كان الدافع الرئيسي لشعاره «أميركا أولاً» هو التخلص من الأعباء المالية «غير المجدية» التي تتكبدها الولايات المتحدة على أمن حلفائها، غيّرت حاجته إلى حليف وثيق يكسر عزلته الدولية أولوياته الأطلسية، ونجحت زيارة قصيرة من رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، إلى واشنطن، في إقناعه بأهمية الرابط الأطلسي بين البلدين الأنغلوساكسونيين. حتى أكثر مواقفه الانتخابية تصلبًا، أي تهديده بمنع المسلمين من دخول الأراضي الأميركية، خضعت هي أيضًا لحسابات المصلحة الشخصية، فبعد أن كان قد تعهد بمنع كل المسلمين من زيارة الولايات المتحدة، اقتصر قراره التنفيذي لهذا الوعيد على مواطني سبع دول إسلامية فقط... ما يوحي باستعداده لإعادة النظر في طروحاته الانتخابية إذا ما اقتضى ذلك واقع الحال.
ولا يبدو أن حسابات المصلحة الشخصية كانت غائبة عن قراراته الداخلية أيضًا، فبعد الضجة الداخلية التي أثارها تأييده العلني لأساليب التعذيب الجسدي، لم يتوانَ عن المسارعة في «التملص» من تصريحه وتكليف وزير دفاعه البت بسياسة التعذيب الجسدي.
في تعدادها للوعود المستحيلة التي بذلها ترمب في سياق حملته الانتخابية، ذهبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى حد اتهامه «بالتخريف» والافتقاد إلى المصداقية (عدد 31-01-2017).
بالنسبة لرئيس لم يمضِ على انتخابه أكثر من أسبوعين يبدو هذا الحكم قاسيًا، خصوصًا أن ترمب أظهر براعة مشهودة في «إعادة النظر» بغلواء بعض وعوده الانتخابية ما يسمح بتوقع مزيد من «التراجعات» مع انتقاله من موقع المرشح إلى موقع المسؤول.
وفي هذا السياق قد يكون امتحان الفصل بين الجد واللعب في قرارات الرئيس ترمب أسلوب تعامله مع وعده الانتخابي بناء جدار فاصل على طول الحدود الأميركية المكسيكية، وتحميل المكسيك تكاليفه المالية.
8:18 دقيقه
TT
ترمب وفن المستحيل
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة