مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الوظيفة: مكفكف دموع

دائمًا ما كنت أتأذى من دخول دورات المياه العمومية - خصوصًا إذا كنت (مرغمًا) على دخولها رغم أنفي - فأضطر ساعتها إلى أن أختار أهون الشرين تلافيًا للفضيحة.
وهناك أكثر من سبب لتذمري؛ فأولاً: النظافة تكاد تكون معدومة في أغلب الأماكن، وهذه بحد ذاتها مصيبة، وتكمل الناقص ظاهرة في منتهى السخافة، ألا وهي الكتابة على الجدران، عبارات هي أقذر من الحمامات نفسها، مع شخبطات ورسومات لا يفعلها ولا يقدم عليها إلاّ كل شاذ ومعتوه ومريض.
ومن المؤكد أن أغلبكم قد شاهدوا ذلك، وقد يكون البعض منكم قد فعلوا ذلك أيضًا، وتعجبني بعض المرافق التي تجعل جدران حماماتها كلها مكسوة (بالسيراميك)، الذي لا يعطي المجال لكل من هب ودب لأن يحفر أو يكتب أو يرسم عليها ما يشاء، عندها فمن السهولة على عمال النظافة إزالتها.
وقيل لي - والله أعلم - إن دورات مياه النساء فيها كذلك ما هو أشنع، وإذا كان ذلك صحيحًا، فإنني أترحم على من يطلق عليهن زورًا وبهتانًا: اسم (الجنس اللطيف)، فلا لطف مع هذه البذاءات إطلاقًا.
في حياتي كتبت مرّة واحدة، على جدار داخلي من جدران برج (بيزا) المائل في إيطاليا، وذلك عندما شاهدت العشرات من الكتابات، فقلت بيني وبين نفسي: (مع الخيل يا شقرا)، فشمرت أكمامي وكتبت كلمات أشيد بها بذلك البرج الذي رفض السقوط رغم ميلانه عبر مئات السنين، وكتبت تحته اسمي الرباعي، كأنني بذلك أردت أن أخلد نفسي. كما سبق لي أن حفرت على جذع شجرة باسقة، قلبًا رائعًا يخترقه سهم نافذ، وكتبت تحته: (إهداء لكل عاشقين لوعهما الغرام)، من: (محروم).
***
بعض الناس يصعب عليهم التلفظ بكلمة (آسف) للاعتذار، وقد لاحظ أحد رجال الأعمال في اليابان ذلك، فأنشأ (وكالة للاعتذار)، وأسعارها كالتالي: (254) دولارًا لتقديم الاعتذار وجهًا لوجه، مع باقة من الزهور، و(95) دولارًا لإرسال اعتذار عبر البريد الإلكتروني والتليفون.
ولاحظت تلك الوكالة أن البعض قد يبكون أحيانًا بسبب ضغوط الحياة، فقررت أن تبعث لأي رجل امرأة تكفكف دموعه، ولكل امرأة رجلاً يكفكف ويمسح دموعها - طبعًا مقابل أجر.
لو أنني كنت في اليابان لا أستبعد أن ألتحق بتلك الوكالة بوظيفة (مكفكف دموع)، إذ إن لي خبرة في هذا المجال الحيوي.
***
احترمت إمام مسجد في إسطنبول بتركيا يقال له: (مصطفى ايفا)، حيث فتح أبواب المسجد للقطط الضالة، رحمة بها من الموت المؤكد بسبب برد الشتاء القارس، وقد نال عمله ذاك الاستحسان من الكثيرين، ولم يعترض المصلون على الصلاة بجانب القطط.
وأقدم شكري للإمام باللغة التركية: camminin imam icin tesekkurler (جامنن إماميجن تيشيكرلر).