تأسست شبكة «صوت أميركا» التي تعتبر من أهم المحطات الإعلامية في العالم والمهتمة بـنقل أخبار الولايات المتحدة للخارج، في عام 1975 بتمويل مباشر من الكونغرس الأميركي وتحت إشراف مجلس البث الإعلامي المعروف بـ«بي بي جي» المكون من تسعة أشخاص. وتبث هذه القناة على نطاق واسع، حيث تضم أكثر من 42 لغة ومن بينها اللغة الفارسية، التي تعمل على 8 ساعات يوميًا بصورة مباشرة وتتكرر على مدار الساعة، والمطلوب أن تكون محل صدق وثقة للأخبار وفقًا لمعايير الشفافية والموضوعية وإيصال الخبر مهما كان. ومن مهام «صوت أميركا» التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، بث قيم الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان والتواصل مع شعوب العالم والاهتمام بالمصالح الأميركية العليا واحترام مشاهديها ومستمعيها، وأن تكون أداة فعالة للدبلوماسية العامة الأميركية كما يشار إليه في ميثاقها.
في هذا السياق كان من المتوقع أن تعمل «صوت أميركا الفارسية» من ضمن هذه الأهداف والمواثيق وحسب مهمتها التواصل مع جميع الإيرانيين بغض النظر عن العرق والدين واللغة والقومية، وفقًا لتعاليم الدستور الأميركي والقيم السائدة في الثقافة الإعلامية الأميركية. ولكن نشعر بخيبة أمل عندما نرى تنقية الأخبار حسب مآرب خاصة، وبما أن الحالة الإعلامية في داخل إيران، تحكمها سياسات الولي الفقيه، نرى هناك تشابهات كبيرة بين ما يحصل في وسائل الإعلام الحكومية في إيران وطريقة إدارة الأخبار ونقل المعلومة في فضائية «صوت أميركا الفارسية». على سبيل المثال هناك شبه قطيعة تامة بين هذه الفضائية وناشطي القوميات من العرب والبلوش والأكراد والآذريين والتركمان واللور والبختياريين والقشقائية الذين يشكلون أكثر من نصف نفوس إيران. وتعمل «صوت أميركا الفارسية» على امتصاص ثقافة القوميات الأخرى وهضمها في الثقافة الفارسية، وهناك أكثر من 200 موظف يعملون في «صوت أميركا الفارسية» يعتبرون أنفسهم ممثلين عن اللغة الفارسية والشعب الفارسي وعلى عاتقهم تدفق كل الأمور على ما يريده الفرس وتجاهل الآخرين. وبهذه السياسة التفريسية فشلت «صوت أميركا الفارسية» في تطبيق السياسة الخارجية الأميركية لاستقطاب عامة الشعوب الإيرانية وليس فئة معينة. وعلى الرغم من بذل ملايين الدولارات في هذه الفضائية، إلا أن بمقارنة الفضائيات الفارسية الأقل ميزانية وتكلفة، فإن «صوت أميركا» تعتبر من أفشلها، حيث لا يتابع صفحتها على «فيسبوك» أكثر من 100 ألف متابع.
هذا الفشل الإعلامي يأتي على ضوء حقيقة يتجاهلها العاملون في «صوت أميركا»، وهي وفقًا لاعتراف حاجي بابائي نائب وزير التربية والتعليم السابق في إيران فإن 30 في المائة من تلاميذ الصف الأول عند دخولهم إلى المدرسة، يجيدون اللغة الفارسية باعتبارها اللغة الأم إليهم. وهذا يعني أن لغة غالبية الشعب الإيراني تأتي من لغة غير فارسية وإدارة «صوت أميركا» الحالية مصرة على تجاهلهم.
عند البحث عن أسباب هذه الانطوائية الفارسية في «صوت أميركا»، نرى أن معظم طاقم الإدارة في هذه الفضائية، وخاصة في الآونة الأخيرة، وفقًا للتقارير التي نشرت من قبل صحافيين بارزين ومؤسسات بحثية مهمة وفي مقدمتهم السيدة هيلي ديل من مؤسسة التراث والسيد آدم كريدو من مؤسسة «فري بيكون»، والمحسوب على اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة والذي يسعى جاهدًا إلى تلميع صورة النظام الإيراني في الإعلام الأميركي ومن ثم انتزاع قوانين وتحركات تخدم مصالح الولي الفقيه في الداخل الإيراني وخارج إيران. فمثلاً رئيس تحرير «صوت أميركا» الحالي كان يعمل في جريدة «كيهان» المقربة من المرشد علي خامنئي، وفي الوقت الراهن يعتبر من أعمدة اللوبي الإيراني داخل «صوت أميركا الفارسية»، وهناك عدد ملحوظ من كُتاب ومحرّرين سابقين لوكالات الأنباء في داخل إيران والمقربين إلى الاستخبارات الإيرانية، أصبحوا من ضمن معدّي برامج «صوت أميركا» حاليًا، وعلى هذا الأساس يتم اختيار محللّين فرس في معظم برامج «صوت أميركا» وتجاهل مجموعة كبيرة من الخبراء الإيرانيين غير الفرس، وللإشارة إلى من تدعوهم «صوت أميركا» لبرامجها، يأتون بأفكارهم الحاقدة ونظرياتهم الاستعلائية والشوفينية ضد القوميات بصورة عامة وضد العرب بصورة خاصة، ولم يقدموا شيئًا من الحقيقة الجارية في إيران.
وأصبحت لدى «صوت أميركا الفارسية» قائمة سوداء لمن لا يمكن دعوتهم للمشاركة في برامجها، ويومًا بعد يوم أخذت تتسع هذه القائمة حتى شملت عاملين سابقين فيها بعدما وضعت ناشطي الشعوب غير الفارسية والمطالبين بتغيير النظام الإيراني في مقدمتها.
من منظور الإدارة في «صوت أميركا الفارسية» الحالية، فإن التطرق إلى حقوق القوميات أو الحديث عن وجوب تغيّر النظام الحاكم في إيران أصبح من أشد المحرمات، يسقط من جاء بها إذا كان موظفًا، أو يحرم من الدعوات القادمة إذا كان ضيفًا.
ومن أجل فضح الأجواء البوليسية الحاكمة على إدارة القناة وحرمان مجموعة كبيرة من الشعوب الإيرانية من حق التعبير عن النفس في «صوت أميركا»، في زيارة سابقة ترأست وفدًا مكونًا من نشطاء شعوب غير الفارسية والتقينا بالسيد إدوارد رويس رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي وعدد آخر من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وفتحنا الموضوع مباشرة وعبّرنا عن استيائنا الشديد إزاء ما يحصل في قناة «صوت أميركا الفارسية» وتلقينا مشاعر مشتركة، ولكن لمسنا حقائق حول اللوبي الإيراني ومحاولاته السابقة لتغيّر نظرة صناع القرار في أميركا حول الحالة الديموغرافية في إيران والإصرار على تقديم معلومات مزورة حول تركيبة النفوس في البلد. وفي هذا السياق استكشفنا أيضًا كيف أن النظام الإيراني ومن خلال لوبياته في أميركا، يلعب دورًا مهمًا في تعيين رؤساء الأقسام المختلفة في القناة والفروع التابعة لها ومن بينها «إذاعة صوت أميركا».
وسبق هذه الزيارة، شكاوى كثيرة من أطياف مختلفة من المعارضة الإيرانية ونشطاء القوميات غير الفارسية ضد ما يحصل في «صوت أميركا» مرفقة بمستندات دامغة وخاصة فيما يتعلق بتجاهل الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان والتمييز والتطهير العرقي ضد القوميات في القناة، وهي انتهاكات موثقة من قبل الأمم المتحدة والمقرّر الخاص لحقوق الإنسان في إيران ومنظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش. هذا الحجم الكبير من النشاط بالمطالبة بالحقوق والوقوف الجاد أمام تزوير الحقيقة حول ما يجري في إيران، في الإعلام الأميركي، سيزيد في المرحلة القادمة وخاصة هناك توقعات بانحسار دور اللوبي الإيراني بعد تزايد المناهضين له في كل أنحاء أميركا.
TT
«صوت أميركا» الفارسية.. منبر اللوبي الإيراني
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة