قبل أي شيء، دعونا ندخل في الأمر مباشرة، فالاتحاد الروسي عام 2016 ليس هو نفسه الاتحاد السوفياتي عام 1986. صحيح أن الاتحاد الروسي يغطي أغلب المناطق القديمة وتديره البلطجية أنفسهم، لكن العقلية الماركسية اختفت، ومعها تبخرت القوة العظمى. نحن هنا بصدد التحدث عن دولة نفطية عادية لكنها فاسدة، غير أنها دولة كبيرة تمتلك أسلحة نووية.
ذكرت كل هذا لأن مديح دونالد ترامب المبالغ فيه لفلاديمير بوتين - الذي يعكس عاطفة مشتركة في النزعة اليمينية - يبدو أنه حير الكثيرين.
من ناحية، يعبر البعض عن حيرتهم من مشهد اليمينيين، تحديدًا تلك النوعية من الناس الذين طالما هتفوا «إما أن تحب أميركا أو تغادرها»، وفي نفس الوقت تراهم يكيلون المديح للنظام الروسي. وفي الناحية الأخرى، هناك قلة ممن تعارض معارضي بوتين، أي تلك الفئة التي تشجب محاولات انتقاد محبة ترامب لبوتين، واصفين إياها بـ«اضطهاد الشيوعية». لكن روسيا اليوم لم تعد شيوعية، أو حتى يسارية، بل هي مجرد دولة فاشستية أدمنت عبادة شخص رئيسها القوي.
هل جافيت الحقيقة بكلامي هذا؟ هل مدح الزعيم الروسي بحكم الأمر الواقع يعكس إعجابًا بإنجازاته؟ حسنًا، دعونا نتحدث عما أنجزه نظام بوتين بالفعل، بدءًا من الاقتصاد.
فقد صعد بوتين إلى السلطة عام 1999 في الوقت الذي كانت فيه روسيا تتعافى من أزمة مالية حادة، وشهدت السنوات الثماني الأولى من حكمه نموًا اقتصاديًا سريعًا. غير أن هذا النمو لا يفسره سوى سبب واحد فقط، ألا وهو النفط.
روسيا دولة نفطية، يشكل النفط أكثر من ثلثي صادراتها، وتقوم بالكاد بتصنيع خمس الإنتاج. وتضاعفت أسعار النفط أكثر من ثلاث مرات ما بين عامي 1999 و2000، قبل أن يتضاعف السعر مجددًا أكثر من ثلاث مرات بعد ذلك بسنوات قليلة. بعد ذلك انهارت أسعار النفط، مما أضعف حال الاقتصاد الروسي بدرجة كبيرة في السنوات القليلة الماضية.
كان بإمكان بوتين أن يتباهى بإنجازاته، لو أنه نجح في تنويع الصادرات الروسية، فقد خلّف النظام الروسي وراءه عددًا كبيرًا من الكوادر ذات المهارة الرفيعة. في الحقيقة، شكل المهاجرون الروس القوة الرئيسية التي اعتمدت عليها إسرائيل في طفرتها التكنولوجية الكبيرة، كذلك لم تواجه الحكومة الروسية صعوبة تذكر في تشغيل قراصنة إنترنت مهرة لاختراق ملفات اللجنة الديمقراطية الوطنية الأميركية. لكن ما لم يساعد روسيا في الاستفادة من إمكانياتها التكنولوجية هو مناخ العمل الذي يعتمد على الروابط السياسية شرطًا لنجاح التجارة والأعمال.
ولذلك ليس في إدارة الرئيس بوتين الاقتصادية الداخلية ما يستحق الكتابة عنه، لكن ماذا عن باقي أوجه قيادته؟
بالتأكيد، تمتلك روسيا جيشًا كبيرًا استخدمته في ضم شبه جزيرة القرم ودعم المتمردين في شرق أوكرانيا. لكن أسلوب استعراض العضلات لم يجلب على روسيا سوى الضعف، بدلاً من القوة.
وبعيدًا عن الموضوع، من الغريب أن بعض الناس يرون تعارضًا بين سخرية الديمقراطيين من العلاقة الرومانسية الأخوية بين ترامب وبوتين، وسخرية الرئيس أوباما من ميت رومني منذ أربع سنوات، عندما وصف روسيا بـ«العدو الجيوسياسي الأول». لكن في الحقيقة لا يمكن الجزم بشيء مثل هذا، فلروسيا نظام مرعب، لكن حسب وصف أوباما، فهي «قوة إقليمية»، وليست قوة عظمى، كما كان الحال في زمن الاتحاد السوفياتي السابق.
في النهاية، ماذا عن القوة الناعمة، أي القدرة على الإقناع من خلال جاذبية الثقافة والقيم؟ للأسف لا تملك روسيا من هذا سوى القليل، باستثناء اليمينيين الذين يرون جاذبية في بوتين وقسوته وإحساسه الزائد برجولته.
وعندما يمتدح ترامب وغيره بوتين بوصفه «قائدًا قويًا»، فهم لا يقصدون أنه استطاع أن يجعل من روسيا دولة عظيمة مجددًا، لأن هذا لم يحدث. فلم ينجز بوتين سوى القليل على الجبهة الاقتصادية، ولا تستحق غزواته سوى الرثاء.
تتلخص إنجازاته في أنه سحق معارضيه في الداخل. إن أردت أن تتأكد، فقط عارض نظام بوتين، وسينتهي بك الحال إما في السجن أو ميتًا.
* خدمة «نيويورك تايمز»
8:11 دقيقه
TT
بلطجية وقبلات
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة