هناك فرصة لأن يقوم كثير منا بتغيير الحزب السياسي الذي ينتمي له خلال الـ15 سنة المقبلة. قد تكون مسؤولاً تنفيذيًا في شركة، ظل على مدى عقود يعطي صوته للحزب الجمهوري من دون تردد، لكن قد تصير ديمقراطيًا ثابتًا بحلول 2024. وقد تكون ناشطًا بأحد مجتمعات الأميركيين الأفارقة في كليفلاند، لكن لا تندهش إذا صرت يومًا ما منتميًا للحزب الجمهوري.
الحقيقة أن الأحزاب السياسية يمكن أن تتبادل دوائرها الجماهيرية بطرق غير متوقعة ودراماتيكية. ولقد كان هناك نمط عام على مدار التاريخ الأميركي: فترة استقرار حزبي؛ ثم ظهور بعض القضايا الجديدة لتصبح في مقدمة الاهتمام بعد ذلك، تقسم البلد بطرق جديدة؛ تنهار التحالفات الحزبية القديمة وتنشأ أخرى جديدة.
كان الأفارقة الأميركيون جمهوريين يومًا ما، لكن الكساد الكبير وضع السياسات الاقتصادية في مقدمة الاهتمام، ونجح فرانكلين روزفلت في إغرائهم بالانضمام للمعسكر الآخر. وكان أرباب المهن في نيو إنغلاند جمهوريين يومًا ما أيضًا، لكن صعود حركة حزام الشمس بقيادة باري غولد ووتر - رونالد ريغان، حولهم إلى ديمقراطيين. ويبدو أننا في واحدة من لحظات التحول هذه الآن. وثمة شيء أكبر من أوجه القصور النسبية لدى ترامب وكلينتون يجري على قدم وساق هذا العام.
في المقام الأول، فإن الكثير من العقليات الحزبية القائمة إلى زوال. وهذه آخر انتخابات رئاسية يترشح فيها اثنان من مواليد فترة طفرة المواليد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ضد بعضهما البعض. وفي السنوات المقبلة، لن تستمر العداءات الخفية من عهد حرب فيتنام، أو قضايا الثورة الجنسية / الحرب الثقافية في السبعينات، في كونها الإطار المحدد للسياسات.
لن يكون لدى مرشحي المستقبل حنين لأميركا بيضاء كما تستدعي الذاكرة القديمة، أو نقابات أسواق العمل في الصناعات الثقيلة في الخمسينات.
السياسة تساير الواقع الاجتماعي. والانقسام الاجتماعي المهم اليوم يحدث بين أولئك الذين يشعرون بأن التيارات الأساسية للاقتصاد العالمي في عصر المعلومات رياح مواتية تدعم مسارهم، وبين من يشعرون بأن هذه التيارات تقف في وجوههم.
ومعنى هذا أن الانقسام الاجتماعي الأهم الحاصل اليوم هو ما بين أميركا على حظ رفيع من التعليم والثقافة، وتتسم بالافتتاح الاقتصادي، والأطر الأسرية التقليدية، وشبكات علاقات رفيعة المستوى وثقة كبيرة بالمؤسسات من ناحية، وأميركا أقل نصيبًا من التعليم تتسم بانعدام الأمن الاقتصادي، والأطر الاجتماعية الفوضوية، والروابط المجتمعية المتهرئة، وإحساس سائد بالخيانة وعدم الثقة.
تعيش هاتان الجماعتان في عالمين مختلفين بالكامل. في اللحظة الراهنة يضع كل حزب قدمًا في كلا العالمين، لكن هذه التحالفات لن تدوم. ولن يمر وقت طويل قبل أن تنهار السياسات ليصير هناك الانفتاح في مقابل الانغلاق، والدينامية في مقابل الاستقرار، وهو ما وصفه رونالد براونستين في 2012، على أنه «تحالف التحول ضد تحالف الإحياء».
يعتبر الحزب الجمهوري الآن تحالفًا من مسؤولي الأعمال التنفيذيين العاشقين للعولمة، والعمال البيض الكارهين للعولمة. وهذا تحالف هش لا يمكن الدفاع عنه. لقد صار الحزب الجمهوري في جوهره الصرف حزب منزوعي الملكية، وليس حزب الأعمال العالمي. وضع متخبطو غرفة التجارة وطاولة الأعمال المستديرة رهانهم كله على الحزب الجمهوري في اللحظة نفسها التي توقف فيها عن أن يكون حزبهم.
الآن تخيل الحزب الجمهوري بعد دونالد ترامب، يقوده مرشح أصغر سنًا من دون عباراته التي تنضح بالتعصب الأعمى والحرب الثقافية. سيبدأ هذا الحزب في اجتذاب مؤيدي ساندرز الساخطين الذين يحتقرون الشراكة عبر الأطلسي، وربما أقلية ما من الناخبين الذين لديهم شكوك كبيرة بالنخبة السياسية.
أما الحزب الديمقراطي فهو الآن تحالف من أرباب المهن الراقية الذين يشكلون الطبقة الحاكمة والأعضاء الأقل نصيبًا من الثراء من الأقليات، الذين يشعرون بتعرضهم للخيانة من قبل هذه الطبقة. وهذا تحالف لا يمكن الدفاع عنه أيضًا. والحزب الديمقراطي في جوهره هو حزب طبقة أرباب المهن الساحلية، وهي البطاقة الرئاسية في 2016 لمدرستي القانون في جامعتي ييل وهارفارد. من الممكن أن يفوز الديمقراطيون هذا العام بكل الولايات التي تلامس المحيط.
وكما يسحق الحزب الجمهوري بنسخة ترامب الحزب الجمهوري كما يتصوره مسؤولو غرفة التجارة، فإن ديمقراطيي كلينتون سيصدون ديمقراطيي ساندرز في النهاية. إن مصالحهما الاقتصادية مختلفة. وفضلاً عن هذا، فإن مستويات الثقة الاجتماعية لديهما مختلفة إلى حد بعيد.
نحن لا نعتقد عادة أن السياسات تنقسم بناء على أسس تتعلق بالثقة. لكننا نشهد هذا العام شروخًا هائلة تتعمق بناء على مدى ثقتك بجيرانك ودوائرك الجماهيرية على المستوى الوطني. يرى أبناء جيل الألفية الجديدة الساخطون والذين لديهم مستويات ثقة متدنية الأشياء بصورة مختلفة عن العاملين بهوليوود والمشتغلين بالمجالات التقنية والإعلامية والأكاديمية الذين يديرون الحزب فعليًا.
يتكرر هذا النوع من الانقسام في شتى أنحاء العالم. أما الصفة الأميركية المميزة فهي العرق. إذا تمكن الجمهوريون من التخلي عن الأسافين العنصرية – التي قد تكون مطلبًا كبيرًا – وأصبحوا بشكل أكبر الحزب الذي يمد يد العون للناقمين على عصر عولمة المعلومات، فربما عندئذ يفوز بتأييد بعض الناخبين من الأقليات، وستتفكك التحالفات الحزبية القائمة في المدى القصير.
توحي الاستطلاعات بأن الديمقراطيين سينالون التأييد في أوساط الناخبين ذوي التعليم الجامعي، فيما سيكسب الجمهوريون في أوساط البيض الذين لا يحملون درجات جامعية. إن الفجوة الاجتماعية والعقلية والنفسية بين هاتين الجماعتين آخذة في الاتساع باستمرار، وهذا هو مستقبل السياسات الأميركية. يصير الحزب الجمهوري حزب المثقفين والأكاديميين، فيما يتحول الحزب الديمقراطي لحزب الأعمال. يمكن أن يصبح المشهد فظيعًا.
* خدمة «نيويورك تايمز»
7:2 دقيقه
TT
أوان تغيير الانتماء الحزبي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة