يحتاج الاقتصاد العالمي وبشدة إلى بعض الأنباء السارة. وذلك ما حدث في آخر تقرير أميركي للوظائف.
كان المزاج كئيبًا بكل تأكيد قبل يوم من نشر تقرير الوظائف الأميركي لشهر يوليو (تموز)، مع تباطؤ النشاط الاقتصادي في معظم البلدان المتقدمة الأخرى، وخطر الركود الاقتصادي الحقيقي والقائم الذي تواجهه المملكة المتحدة حاليًا، وخطر عدم الاستقرار المالي الذي بات يلوح في الأفق. وأضيف إلى تلك المخاوف التقرير المخيب للآمال الخاص بالناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الذي صدر الأسبوع الماضي، والذي أظهر هبوطًا في استثمار الشركات، مما يهدد بانخفاض جديد في الإنفاق الاستهلاكي الأميركي الذي لا يزال مزدهرًا بصورة ما.
من شأن تقرير أداء سوق العمل في الولايات المتحدة أن يساعد على تبديد بعض من هذه المخاوف، حيث أضاف أرباب الأعمال في القطاعات غير الزراعية ما يقدر بـ255 ألف فرصة عمل جديدة في يوليو، ما يتجاوز التوقعات المجمع عليها سابقًا بمقدار 180 ألف فرصة عمل. وإلى جانب المراجعات المزيدة من 180 ألف فرصة عمل إلى ما قبل تقديرات الشهور الماضية، والقراءات المبدئية القوية لتقرير شهر يونيو (حزيران)، فإن التقرير الأخير يجعل من قراءة شهر مايو (أيار) المفزعة (38 ألف فرصة عمل مبدئيًا، لتكون 24 ألف فرصة عمل في نهاية المطاف)، تبدو كأنها من القراءات الشاذة عن السياق.
ويبلغ متوسط مكاسب العمل خلال الأشهر الثلاثة نحو 190 ألف فرصة عمل، مما يشير إلى أن نمو الرواتب يمكن أن يستمر وبسهولة إلى بين 120 ألفًا و150 ألف فرصة عمل خلال الشهور المقبلة، وهو مقياس جيد للغاية للتعويض عن النمو الطبيعي في القوة العاملة، كما أنه يجلب كثيرًا من الناس مرة أخرى إلى القوة العاملة في البلاد.
ظل معدل البطالة كما هو من دون تغيير عند مستوى 4.9 نقطة مئوية، لكن لسبب وجيه: كان كثير من الناس يسعى بجد بحثًا عن العمل، وهو شرط أساسي لكي يتم احتساب القوة العاملة. ثم ارتفع معدل مشاركة القوة العاملة مسجلاً 62.8 نقطة مئوية، في إشارة إلى استعداد الناس المستمر للابتعاد عن الهامش والبحث الجدي عن العمل. وهذا المؤشر للركود في سوق العمل ينبغي أن يخفف من بعض الضغوط الملقاة على كاهل بنك الاحتياطي الفيدرالي، لاتخاذ إجراءات قوية حول معدلات أسعار الفائدة.
وبالإضافة إلى الإيجاد القوي لفرص العمل، فإن متوسط الأجر في الساعة قد ارتفع بواقع 0.3 نقطة مئوية في يوليو، وهي وتيرة أسرع قليلاً من المتوقع. وإلى جانب التمديد الطفيف في متوسط أسبوع العمل، فإن ذلك من شأنه أن يضخ مزيدًا من الأموال في جيوب أصحاب المنازل والعائلات في الولايات المتحدة، مما يبشر بالخير على معدلات إنفاق المستهلكين، التي لا تزال تشتمل على أهم مكونات الاقتصاد، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة هي في وضع موات نسبيًا لمقاومة تباطؤ النمو، الذي تعاني منه دول أخرى.
ومن المؤكد، أن أداء سوق العمل ليس كافيًا لتحفيز الإقلاع الاقتصادي المطلوب لتلبية الطموحات الحقيقية، ومكافحة عدم المساواة المثيرة للقلق، وتفادي الهبوط في إمكانات النمو طويلة الأجل في البلاد، مما يتطلب مساهمة كبرى من القطاع الخاص، الذي هو بدوره في حاجة إلى الحكومة لتنفيذ وتطبيق السياسات - مثل استثمارات البنية التحتية الداعمة للنمو، والإصلاح الضريبي، والسياسة المالية الأكثر توسعية، وإعادة تجهيز سوق العمل بصورة أكثر فعالية، وتنسيق السياسات الإقليمية والعالمية بشكل أفضل - من أجل أن تكون هذه المساهمة ممكنة. وكما هو معروف الآن وعلى نطاق كبير، فإن ذلك يتجاوز ما يمكن للبنوك المركزية فعله أو تقديمه من تلقاء نفسها.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT
ما يحتاجه الاقتصاد العالمي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة