توزيع العمل الطبي على جميع أفراد طاقم تقديم الرعاية الطبية للمرضى إحدى وسائل النجاح في الاستفادة المثلى من المتخصصين الطبيين المتوفرين لخدمة المرضى، وإحدى وسائل تحسين نتائج تقديم الرعاية الطبية للمرضى.
والصيدلي أحد اللاعبين المهمين في إدارة وفي تقديم العناية ضمن برنامج العملية العلاجية لرعاية مرضى القلب، وأول أسباب ذلك أن مرضى القلب في الغالب لديهم عدد من الأمراض المزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم واضطرابات الكولسترول وغيرها، وهي الحالات المرضية التي تتطلب معالجة بتناول الأدوية، كما أن معالجة أمراض القلب نفسها الناجمة عن تلك الأمراض المزمنة تتطلب تناول عدد من الأدوية، هذا بالإضافة إلى أن مراحل المعالجات التدخلية والجراحية القلبية التي يمر بها المريض خلال رحلة معالجته، تتطلب معالجة دوائية ذات طابع مخصوص إلى حين تجاوز تلك الفترات الصحية الحرجة لدى مريض القلب.
ولأن غالبية مرضى القلب متقدمون في العمر، ويتناولون عددا من أصناف الأدوية خلال اليوم الواحد، ولأسباب كثيرة أخرى، فإن الصيدلي يمثل أهمية خاصة لمريض القلب لأنه أساسي في إعانة المريض على فهم أدويته وكيفية تناولها بشكل صحيح عبر في ما يُعرف طبيًا بـ«إدارة المعالجة الدوائية للمريض» Medication Therapy Management. وبالمقابل، فإن عدم توفر معونة الصيدلي لمريض القلب، والاكتفاء بالطبيب والممرض، يُقلل من فرص تقديم رعاية طبية ذات جودة أعلى لمريض القلب.
وضمن عدد 21 يونيو (حزيران) لمجلة الكلية الأميركية لمعالجة القلب Journal of the American College of Cardiology، عرض الباحثون الكنديون نتائج دراستهم تأثيرات إشراك الصيدلي بشكل فاعل ضمن عملية «إدارة المعالجة الدوائية لمريض القلب». ولاحظ الباحثون في نتائجهم أن مرضى القلب الذين يواجهون صعوبات في ضبط عوامل خطورة الإصابة وتدهور أمراض القلب لديهم، يُقللون من متاعبهم وانتكاساتهم الصحية المستقبلية إذا ما توفرت لهم خدمات الصيدلي بشكل مباشر لمساعدتهم.
وقارن الباحثون بين مجموعتين من مرضى القلب الذين يُواجهون صعوبات في معالجتهم وعُرضة بشكل عال لمخاطر تكرار الإصابة بالنوبة القلبية والسكتة الدماغية، وتم في مجموعة تقديم الرعاية الطبية المعتادة Usual Care وفي المجموعة الثانية تم توفير خدمات صيدلي متمرس في تقديم الخدمة الصيدلانية في المجتمع Trained Community Pharmacists ضمن برنامج واضح لـ«إدارة المعالجة الدوائية للمريض». وبالمتابعة لمدة ثلاثة أشهر فقط، تمت ملاحظة انخفاض احتمالات الخطورة المستقبلية لديهم بنسبة تتجاوز 21 في المائة لدى أولئك المرضى الذين استفادوا من عناية الصيدلي بمعالجاتهم الدوائية وذلك مقارنة بمنْ تلقوا الرعاية الطبية المعتادة.
وعلق البروفسور روس تسياكي، الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ الطب الباطني في جامعة ألبرتا، بالقول: «ولأن خطورة الانتكاسات القلبية عالية، فإن أي خفض في نسبة احتمالات حصولها هو إنجاز جيد».
وركّزت الدراسة على توفير خدمات الصيدلي للمريض والوصول المباشر إلى أولئك الذين ترتفع لديهم مخاطر الانتكاسات الصحية القلبية وتتعدد لديهم عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب، عبر متابعتهم وسؤالهم ووصف الأدوية لهم وتقديمها لهم كي لا ينقطعوا عن تناولها وضبط كمية جرعات الأدوية بالمقادير التي تحتاج إليها حالتهم المرضية. وأضاف البروفسور تسياكي قائلاً إنه يعتقد أنها أول دراسة واسعة يتم إجراؤها لدراسة تأثيرات هذه الوسيلة لضمان تناول الأدوية وكفايتها لمعالجة حالات مرضى القلب، وأضاف أن أمراض القلب هي السبب الرئيسي للوفيات في الولايات المتحدة وفي بقية دول العالم، ولذا فإن هذا التدخل العلاجي لضمان معالجة مرضى القلب له تأثيرات صحية عامة إيجابية بمقدار مهم.
من جانب آخر، علق الدكتور لاري وينراتش، طبيب القلب في كلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن، بالقول: «الدراسة تلقي الضوء على مشكلات وصعوبات تقديم الرعاية الطبية المباشرة لمرضى القلب في المجتمع، وخصوصا منهم أولئك الذين لديهم ارتفاع في احتمالات خطورة انتكاس حالتهم الصحية القلبية، الذين يتعين عليهم تناول عدد من الأدوية، ونحن في الولايات المتحدة يجب علينا أن نضع أنظمة تعرفنا على أولئك المرضى كي يتم لهم تقديم رعاية طبية قلبية أفضل».
وأضاف في تعليقه ضمن توطئة عرض الدراسة في مجلة الكلية الأميركية لمعالجة القلب قائلاً: «ولا يهم إذا ما كان منْ سيقدم هذه الخدمة للمرضى صيدليًا أو ممارسًا صحيًا آخر، فإن المهم توفير تلك الخدمة للمرضى». وأشار الباحثون إلى أن تكلفة معالجة مرضى القلب في الولايات المتحدة وحدها تتجاوز حاليًا 444 مليار دولار سنويًا، ويتوفر في الولايات المتحدة أكثر من 400 ألف صيدلي.
والواقع أن الاستفادة المثلى من الموارد البشرية الطبية والمتخصصة في أفرع تقديم الرعاية الطبية إحدى الغايات والأهداف في برامج تقديم رعاية طبية أفضل. وقياس النجاح في أنواع تلك الاستفادات يجدر أن يُترجم إلى مؤشرات أداء يُمكن قياسها طبيًا في تحقيق خفض لمعدلات الوفيات وخفض لتكرار احتمالات حصول الانتكاسات الصحية لدى مرضى القلب. ومتابعة المرضى بعد خروجهم من المستشفيات بشكل أفضل، يُقلل من احتمالات حصول الانتكاسات الصحية تلك ويُخفف العبء على المستشفيات وأقسام الإسعاف فيها لاستقبال حالات التدهور الصحي نتيجة عدم انتظام المرضى في تناول الأدوية ونتيجة عدم كفايتها لضبط حالتهم الصحية.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]