روث ماركوس
صحافية اميركيّة
TT

الضرر الذي جلبته كلينتون لنفسها

«لا أريد أن أخاطر بالسماح للآخرين بالوصول لبريدي الخاص»، كان ذلك فحوى رسالة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى مساعدتها هوما عابدين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، التي وردت في تقرير محقق وزارة الخارجية بشأن استخدام كلينتون بريدها الإلكتروني الخاص في المراسلات الرسمية.
لا يمكن النظر لما حدث دليلاً على جريمة ما، لكنه يفسر كثيرًا من الأمور.
في الحقيقة، ما حدث جاء على العكس تمامًا لما يمكن اعتباره دليلاً على جريمة، حيث عبرت كلينتون في تلك الرسالة عن رغبتها في الحصول على «عنوان بريدي منفصل لتحل المشكلة التي واجهتها؛ وهي أن رسائلها الخاصة ينتهي بها المطاف في بريد وزارة الخارجية.
لو أن كلينتون فعلت ذلك من البداية وتحاشت استخدام بريدها الخاص في جهاز بلاك بيري الثاني في مراسلاتها الرسمية لجنبت نفسها كثيرًا من الضرر السياسي.
بيد أن تلك القضية وما نتج عنها من تداعيات على مدى سنوات تمثلت في الهجوم السياسي والتحقيقات اللانهائية، كلها قوت من شخصية كلينتون ورغبتها في حماية نفسها.
«إحساسي بالخصوصية الناتج عن كوني شخصًا مهتمًا بالخصوصية يتولى مسؤوليات عامة ربما جعل منى أقل فهمًا بشأن الصحافة والاهتمامات العامة، وأيضًا الحق في معرفة أمور عن زوجي وعني شخصيًا»، وفق ما قالته كلينتون منذ 22 عامًا، خلال مؤتمر صحافي عن تجارة السلع.
لكن استيعاب ذلك الدرس بدا مستحيلاً لكلينتون، وأصبح الهجوم على خصوصيتها موجعًا أكثر مما تخيلت في ذلك اليوم بعدما أصبحت وزيرة للخارجية. كانت النتائج الهزلية بشأن إقحام حياتها الخاصة أكبر من أن تستطيع كلينتون درأها عن نفسها، فكانت النتائج التي جلبتها على طاقم عملها أكبر من أن تحصى. كان الأمر أشبه بجرح سياسي يستعصي على المداواة، ويرجع السبب في ذلك لأن أعداء كلينتون كانوا سعداء بالإمساك بتلك الزلة، وكذلك لإصرار كلينتون على رفض الاعتراف بالخطأ.
انطلاقًا من إحساسها بالواجب، اعترفت كلينتون بأن قرارها الاعتماد على بريدها الخاص كان «خطأ» لن تكرره، غير أنها كثيرًا ما تعاود التشكيك في خطأ تصرفها، مثلاً بقولها لمحطة «سي إن إن» بعد صدور تقرير المحققين: «اعتقدت أن ذلك كان مسموحًا به». لم تكن اللوائح الحكومية صريحة «بشأن استخدام البريد الشخصي»، إذ إن «استخدام البريد الشخصي كان كثيرًا ما يحدث في غيرها من الوزارات، كما حدث مثلاً عندما استخدم توماس جيفرسون نفسه بريدًا شخصيًا في منطقة مونتيسيلو»، في إشارة إلى أن وزير الخارجية الأسبق كولين باول تصرف بالأسلوب نفسه مع بداية استخدام البريد الإلكتروني.
كيف لكلينتون وطاقمها أن يقعوا في مثل هذا الخطأ الذي يعكس فشلاً ذريعًا لفريق عملها الذي لم يتأكد من قانونية مثل هذا التصرف؟ فقبل تعيينها وزيرة للخارجية بفترة ليست بالطويلة، وجدت إدارة الرئيس بوش نفسها في ورطة مماثلة عندما استخدم الموظفون بريدهم الخاص في المراسلات الحكومية، وهو الأمر الذي أثار حفيظة هيلاري كلينتون بعدها «وجعلها تثور على استخدام حسابات البريد السري الخاص بالبيت الأبيض».
لكن كلينتون لم تكلف نفسها عناء التأكد ما إذا كانت القوانين تسمح بذلك رغم أنها «تعهدت بأن تفعل ذلك». فلو أن كلينتون أو مساعديها كلفوا أنفسهم عناء السؤال، وفق التقرير، لكان طلبهم وُوجه بالرفض.
ويقول التقرير إن كلينتون في موقعها وزيرة للخارجية كانت أشبه بملكة النحل التي يخدمها الخادمات في الخلية.
عندما عبر موظفو الخارجية عن قلقهم بشأن بريد كلينتون، وفق المحقق العام، كان رد فعل المسؤول الرفيع أن «المهمة كانت مساعدة الوزيرة، وطالب الموظفين بعدم الحديث عن بريد الوزيرة الخاص مرة أخرى». ليس من العدل توجيه اللوم لكلينتون بشأن هذا الخطأ البيروقراطي الذي لم تتورط في اتخاذ قراره، لكن من المنطقي السؤال عن سبب قبولها وإذعان طاقم عملها لتلك الأوامر. المفارقة هنا هي أن رغبة كلينتون في الخصوصية جاءت بنتيجة عكسية، فكلينتون بصفتها مرشحة رئاسية تصرفت على أفضل ما يكون عندما سمحت للشخص الصحيح في طاقمها بالنفاذ داخل المحارة المحمية. فكلينتون تتحسن عندما يصبح الوصول لـ«خصوصياتها» ممكنًا، لكنها تضر بنفسها عندما تصر على حماية نفسها.
* خدمة «واشنطن بوست»