علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

كم يساوي العرب؟

لو طرح السؤال: «كم تساوي المنطقة العربية؟»، فإن البحث عن إجابة بسيطة سيقودنا إلى إحصاءات البنك الدولي، وهي أن 2.5 تريليون دولار تمثل الناتج الإجمالي المحلي للاقتصادات العربية مجتمعة، وهذا الناتج يعكس حجم النشاط الاقتصادي لهذه المجتمعات التي يقدر عدد سكانها بنحو 362 مليون نسمة تقريبا، وأكثر من نصف هذا الرقم يعود إلى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الأعلى في المنطقة، وبعضها الأعلى عالميا في متوسط دخل الفرد سنويا.

بهذه الأرقام فإن المنطقة العربية التي زاد ناتجها المحلي كثيرا خلال السنوات العشر الأخيرة تفوقت على منطقة جنوب شرقي آسيا المكونة من 11 دولة ناتجها المحلي نحو تريليونين من الدولارات، وكانت في إحدى الفترات تلقب بالنمور الآسيوية، بسبب النمو السريع لديها، والسبب الأساسي في ذلك التحول بالمنطقة هو التصاعد الكبير في أسعار النفط وعائدات تصديره.

الأرقام تعكس كتلة اقتصادية كبيرة، لكنها أقل بكثير من اقتصادات صناعية، فإسبانيا وحدها ناتجها المحلي يتجاوز 1.3 تريليون دولار، بينما لو تحدثنا عن ألمانيا فإن ناتجها يفوق كل المنطقة العربية بأكثر من تريليون دولار، وهي في النهاية أرقام لا تمثل كل الحقيقة، لأن الاقتصاد نشاط بشري فيه جانب محسوب، وآخر غير محسوب مثل الإسهام الحضاري والثقافة، أي مقومات القوة الناعمة، وحتى في الاقتصاد نفسه فإن هناك أنشطة يصعب إدخالها ضمن الإحصاءات.

أصبح معيار قوة الأمم في العقود الأخيرة يقاس أساسا بحجم اقتصادها وتجارتها مع العالم، وقدرتها على كفاية سكانها وإرضاء تطلعاتهم أكثر مما تملكه من قوة عسكرية، وهي حقيقة كانت دائما موجودة في التاريخ لكن كثيرين لم يكونوا يضعونها في مكانها الصحيح. فيقول بعض المؤرخين إن ألمانيا التي دخلت الحرب العالمية الأولى متحمسة تحت رغبة قومية في الهيمنة لم تكن تحتاج إلى ذلك لأن اقتصادها كان الأقوى والأكثر تطورا من بقية أوروبا، وكانت ستهيمن بقوة الاقتصاد دون حاجة لإطلاق رصاصة، لكن القناعات والأفكار وقتها كانت مختلفة وتنظر لمعايير القوة بعدد الجنود والأسلحة والسيطرة على الأرض، فدخلت حربا مدمرة خسرتها مع حلفائها وخرجت منها مفلسة بمعدلات تضخم غير مسبوقة قادت إلى حرب عالمية ثانية أفرزت نظاما أوروبيا قائما على التعاون الاقتصادي والتجاري، فاستفاد الجميع. وكان من أساسيات توسع الديمقراطيات الغربية وترسخها وجود اقتصاد حيوي خلق طبقة وسطى واسعة متعلمة بنت مؤسسات تطور العملية السياسية في البلاد.

والمنطقة العربية لم تكن بعيدة عن الوعي بأهمية التنمية في أخذ مكان مناسب على الخريطة العالمية، بدليل أن الكويت التي تفتتح فيها القمة العربية الاعتيادية اليوم استضافت القمة الاقتصادية العربية الأولى في 2010، والتي جرت فيها محاولة إعطاء دفعة لأولوية التعاون الاقتصادي وبناء منظومة اقتصادية مشتركة على اعتبار أن هذا هو الطريق نحو التقدم، قبل أن يداهم المنطقة عام 2011 بثوراته وتداعياته التي ما زالت مستمرة حتى اليوم.

وكان جزء كبير مما حدث في ما يصفه صندوق النقد الدولي بدول «التحول العربي» له جذور اقتصادية ومطلبية في المقام الأول، إضافة إلى المطالب السياسية، ويتعلق بإخفاقات في عملية التنمية بمفهومها الشامل بما سبب حركة الغضب في الشارع. كما أن جزءا كبيرا من حالة السيولة الحالية والاضطراب والعنف في عملية التحول هذه يرجع إلى قصور في بناء المؤسسات المناسبة لحماية المجتمع وتنميته.

خلاصة القول، إن المنطقة العربية تساوي أكثر من الأرقام الواردة في الإحصاءات إذا أحسنت اختيار الطريق المناسب للتنمية الذي يحفز القدرات الكامنة في اقتصاداتها ومجتمعاتها، وذلك هو الذي سيضع الأساس غير القابل للاهتزاز للتطور السياسي.