بول كروغمان
اقتصادي اميركي
TT

أمل من باريس

هل أنقذ اتفاق المناخ في باريس الحضارة؟ ربما. قد يبدو ذلك تأييدًا مدويًا، لكنه في الواقع أفضل أنباء عن المناخ نسمعها منذ زمن طويل جدًا. إلا أن هذا الاتفاق يمكن رغم ذلك أن يمضي على خطى بروتوكول كيوتو عام 1997، الذي بدا آنذاك أنه أمر جلل، لكن انتهى به المطاف وقد أصبح غير فعال بالمرة. لكن العالم شهد تغيرات مهمة منذ ذلك الحين، التي ربما خلقت أخيرًا الظروف المواتية للتحرك إزاء معالجة مشكلة الاحتباس الحراري قبل فوات الأوان.
حتى وقت قريب جدًا كانت هناك عقبتان هائلتان تعترضان سبيل التوصل إلى أي اتفاق عالمي حول المناخ: استهلاك الصين المتزايد من الفحم، والمعارضة العنيدة من قبل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. العقبة الأولى بدت وكأنها تعني أن الانبعاثات العالمية من غازات الدفيئة سوف ترتفع لا محالة مهما فعلت البلدان الغنية، بينما عنت الثانية أن الدولة الأكبر من تلك البلدان الغنية عاجزة عن قطع وعود ذات مصداقية، ولذلك لن تستطيع القيادة.
لكن حدثت تغيرات مهمة على كلتا الجبهتين.
من ناحية، طرأ تحول ملموس على الاتجاهات الصينية - أو على أي مستوى، تحول يمكن رصده إذا لم يكن الضباب الدخاني بهذه الكثافة. جديًا، تواجه الصين أزمة هائلة في جودة الهواء، يتسبب بها بالأساس حرق الفحم الذي يجعلها أكثر رغبة في تخليص نفسها من استهلاك أسوأ أنواع الوقود الأحفوري. كما أن النمو الاقتصادي في الصين - الدخل الحقيقي للفرد الواحد تضاعف 4 مرات منذ 1997 - ما يعني أيضًا أن البلاد تمتلك الآن طبقة وسطى سريعة النمو، التي باتت تطالب بمستوى أعلى من جودة الحياة، بما في ذلك هواء آمن نسبيًا للتنفس.
وإذن تلعب الصين دورًا مختلفًا جدًا عما كانت تفعل في الماضي. أحد المؤشرات على ذلك: بعض المشتبه بهم المعتادين في اليمين غيروا فجأة من نهجهم. لقد اعتادوا على الدفع بأن فرض قيود على الانبعاثات الأميركية لن يكون ذا فائدة، لأن الصين سوف تواصل إطلاق الملوثات، الآن بدأوا يدفعون بأن التحرك الأميركي غير ضروري، لأن الصين سوف تقلص استهلاك الفحم مهما فعلنا.
ما يعود بنا إلى اتجاهات الحزب الجمهوري الأميركي التي لم تتغير، إلا للأسوأ: إن الحزب يزداد انغماسًا في ثقب أسود من الإنكار ومؤامرة التنظير ضد العلم. الأنباء السارة التي غيرت قواعد اللعبة هي أن ذلك ربما لم يعد مهمًا كما كنا نظن.
صحيح أن الولايات المتحدة لا تستطيع اتخاذ إجراءات واسعة النطاق إزاء قضية المناخ من دون سن تشريعات جديدة، ولن يحدث ذلك ما دام الجمهوريون يحتفظون بسيطرتهم على مجلس النواب. لكن الرئيس أوباما تحرك لفرض قيود على انبعاثات محطات توليد الطاقة - وهو جزء كبير من الحل الذي نحتاجه - عبر إجراءات تنفيذية. وساعدت هذه الخطوة على استعادة مصداقية الولايات المتحدة في قضية المناخ في الخارج، وسمحت للسيد أوباما بالقيام بدور قيادي في باريس.
رغم ذلك ما الذي يحدونا إلى الاعتقاد بأن هذا الاتفاق سوف يغير حقًا مسار العالم؟ لقد اتفقت البلدان على أهداف للحد من الانبعاثات والمراجعة المنتظمة لنجاحهم أو فشلهم في الوفاء بتلك الأهداف، لكن لا توجد عقوبات بخلاف تقريع البلدان التي تفشل في تحقيق المطلوب منها.
كما أن تحقيق تلك الأهداف للحد من الانبعاثات سوف يضر بشدة بعض المصالح الخاصة المتنفذة، حيث إنه يعني أن معظم الكميات المتبقية من الوقود الأحفوري في العالم ستظل مدفونة في باطن الأرض، ولن يتم حرقها قط. وإذن ما الذي سيمنع قطاع الوقود الأحفوري من شراء عدد كاف من الساسة لتحويل هذا الاتفاق إلى خطاب ميت؟
الإجابة في رأيي تكمن في التكنولوجيا الجديدة التي غيرت قواعد اللعب من الأساس.
كثيرون ما زالوا على ما يبدو يعتقدون أن الطاقة المتجددة مسألة ثانوية تافهة وليست جزءًا مهما من مستقبلنا. إما ذلك، أو أنهم اقتنعوا بالدعاية التي تصفها بأنها لغو ليبرالي لا طائل منه. إلا أن واقع الأمر أن تكاليف الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح انخفضت بشدة إلى حد يكاد يكون تنافسيًا مع أنواع الوقود الأحفوري، حتى من دون حوافز خاصة - والتقدم الذي أحرز في مجال تخزين الطاقة عزز من آفاق هذه الأنواع من الطاقة. كما أن الطاقة المتجددة باتت أيضًا رب عمل كبيرا، أكبر كثيرًا الآن من صناعة الفحم.
إن لهذه الثورة في الطاقة أثرين مهمين. الأول هو أن تكلفة إنجاز تخفيضات حادة في الانبعاثات سوف تكون أقل كثيرًا مما كان يفترضه حتى أشد المتفائلين - التحذيرات الشديدة من جانب اليمين كانت في أغلبها هراء، لكنها الآن هراء تام. الأثر الثاني هو أنه في ظل دفعة جيدة - من النوع الذي يمكن أن يؤمنه اتفاق باريس - فإن الطاقة المتجددة يمكن أن تفسح المجال سريعًا لصعود جماعات مصالح جديدة تسهم بحصة إيجابية في إنفاذ الكوكب، وتواجه تأثير عائلة كوش وأمثالها.
بالتأكيد، يمكن أن ينهار كل ذلك بسهولة. فالرئيس كروز أو الرئيس روبيو قد يحبط المسألة برمتها، وربما عندما تسنح لنا فرصة أخرى للتعامل مع قضية المناخ، يكون الأوان قد فات.
لكن ليس بالضرورة أن يحدث ذلك. لا أعتقد أنه من السذاجة الشعور بأن ما خرج من باريس يعطينا سببًا حقيقيًا للأمل في قضية كان فيها الأمل شديد الندرة. ربما لسنا قضية منتهية رغم كل شيء.

* خدمة «نيويورك تايمز»